متابعات

ضحايا الفوركس … دفعوا الملايين وعادوا بخفي حنين

جدة- عبدالهادي المالكي – وليد الفهمي
في الوقت الذي انتشرت تجارة المضاربة في أسواق العملات بالمملكة، خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، حذر مختصون من التوسع بالاستثمار في أسواق العملات، لما تنطوي عليه من مخاطر كبيرةن قد تتسبب بفقدان كامل رأس المال في يوم واحد، مطالبين الجهات الرسمية بأهمية القيام بتثقيف المستثمرين وحمايتهم من حملات التسويق، التي تقودهم إلى حافة الهاوية الاستثمارية.
وتعد أسواق العملات، ذات مخاطر عالية، ولا ينصح بالدخول لها لغير المختصين؛ لأنها تستخدم في الأساس للتحوط ضد مخاطر أسعار الصرف، من قبل التجار والمستوردين للاستفادة من التقلبات، التي تجري على العملات الرئيسة مقابل الدولار الأمريكي، ولا تستخدم بحد ذاتها للمضاربة، لأن في ذلك مخاطر عالية لغير المختصين؛ لذا يسعى أصحاب هذه الشركات لتسويق هذا النشاط كنشاط استثماري مغر للمستثمرين الأفراد قليلي الخبرة، مما يكبدهم خسارة كبيرة، والبعض منهم يخسر كامل استثماره في هذا السوق.

وتأتي هذه التحذيرات الرسمية في الوقت الذي تزايدت خلال الفترة الأخيرة قيام شركات أجنبية، بالقيام بالترويج بشكل واسع لخدماتها داخل المملكة، لجذب الأفراد السعوديين للدخول في أسواق العملات “الفوركس”، وتقديم تسهيلات ائتمانية تصل إلى 500%, وإغرائهم بتوسيع مركزهم الاستثماري لتحصيل مزيد من العمولات، وعند الخسارة تقوم بتصفية مركز العميل دون الرجوع إليه، اعتمادا على اتفاقية المتاجرة بالعملات، التي تعطي الشركة الحق في حفظ حقوقها من خلال التصفية الفورية مما يؤدي بالمستثمرين الأفراد إلى هاوية الإفلاس.
ضحايا الفوركس
ومن ضحايا الفوركس، قالت منى حمد الضبيب: قمت بتحويل مبلغ من المال للفوركس عن طريق وسيط سعودي، وللأسف اكتشفت أنه شخص نصاب، فقمت بتقديم شكوى للمحكمة إلا أن القاضي رد علي بقوله: “كيف أعرف أن هذا الشخص نصاب، وقلت للقاضي: إنني لست الوحيدة، بل هناك الكثير من وقعوا ضحية له. فقال القاضي: “أنا ليس لي علاقة بهم”. وقال لي القاضي: يجب أن تحضري لي شهود لكي يشهدوا أنك قمت بإيداع المبلغ على حساب هذا الشخص، فقلت له: هذا كشف حساب من البنك يبين عملية الإيداع، وعندما قلت له: ليس من المعقول أن كل من أراد ان يشتغل في التجارة يحضر شاهدين، فقال لي: أنت اسكتي ولا تتكلمي.
وأضافت: قمت بمقابلة تلفزيونية، وعندما علم الموظفون الذين يعملون لدى هذا الئخص النصاب، هددوني بأنه في حال، إن ذكرت أسماءهم خلال اللقاء، وسوء تعاملهم معي ، فسوف يقدمون شكوى ضدي؛ بزعم أنني قد شوهت سمعتهم – على حسب قولها.
وعن قيمة المبالغ التي قامت بدفعها قالت: دفعت للشركة 82 ألف ريال، ووفي تحويل آخر 10300 ريال، والى الآن لم أسترد ولا ريال واحد منها.
وأضافت: لقد تعبت نفسياً، وكذلك أختى أصيبت بجلطة؛ بسبب الزعل ونحن أيتام ، وكنا بحاجة لبناء منزل.
وقد ذكرت في البرنامج التلفزيوني، الذي استضافني أنني إنسانة فقيرة ومطلقة، وقمت وتسلفت المبلغ حتى أستطيع ان اقوم بشراء شقة، أسكن فيها؛ حيث إنني أقيم مع أخي.
وعندما أخذت كشف الحساب، وجدت الموظفة اسم ورقم الابيان للشخص المحتال، فاندهشت المديرة ، وعندما بحثوا في الأمر وجدوا أن أحد موظفي البنك، قام بتغيير الأسماء ولكن لم يستطع تغيير الآيبان، وهذا يدل على أن بعض البنوك يوجد بداخلها موظفين يسهلون هذه المعاملات عند إيداع مبالغ خارج الدولة؛ لأنه ممنوع تحويل مبالغ كبيرة خارج المملكة.
راي البنوك السعودية :
من جهته، أوضح أمين عام لجنة الإعلام والتوعية المصرفية المتحدث باسم البنوك السعودية طلعت بن زكي حافظ، أن الاستثمار في العملات الافتراضية يتطلب في وقع الأمر مهارات استثمارية متقدمة للغاية، وليس كل المستثمرين لديهم ذلك؛ كونه محفوفا بالمخاطر ، مشيراً إلى أن عنصر المخاطر كبير؛ لأن التقلبات الاقتصادية العالمية سريعة ومفاجئة.
مبيناً أن بعض المؤسسات التي تعمل على الاستثمار والاحتيال في هذا الأمر وجني الأرباح وإيهام طالبي الثراء السريع بإيداع أرباح عالية، مؤكداً أنه في حال وجود الشركة رسمياً داخل المملكة، فسوف يتم محاكمة تلك الشركات بعد التحقيق في بنود العقد، أو ما بين السطور في حال الخسارة، وما يحكم تقديم الشكوى، ما نص عليه بنود العقد المبرم مع الشركة؛ وفقاً لما نصت عليه تعليمات مؤسسة النقد أو سوق المال.
مشيراً إلى أن الشركات الوهمية لا يمكن ملاحقتها؛ كونها دون صفة تجارية أو قانونية، ناصحاً بالبعد عن هذا التداول، عالي المخاطر، مفضلاً اللجواء إلى استثمارات نظامية؛ سواء في المملكة أو خارجها، والابتعاد عن أي استثمار مشكوك فيه .
إلى ذلك، حذرت وزارة التجارة والاستثمار وهيئة السوق المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي، من التعامل مع المواقع الإلكترونية المشبوهة، التي تسوق للاستثمار في الأوراق المالية، دون حصولها على التراخيص المطلوبة من الجهات ذات الاختصاص، بما فيها نشاط (الفوركس).
حيث تتجه الجهات الحكومية الثلاث إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المواقع، والأفراد الذين يروجون لهذا النشاط.
وتحذر هذه الجهات المتعاملين في الأوراق المالية والعموم من التعامل مع المواقع الإلكترونية المشبوهة، التي قد تنطوي أعمالها على أنشطة غير نظامية، والتي تروج من خلال إعلاناتها على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فرصًا استثمارية ووعودًا بتحقيق مكاسب مالية وثراء سريع، مما قد يعرض العديد من المتعاملين معها إلى عمليات نصب واحتيال وخسائر مادية كبيرة.
الراي القانوني
أوضح المحامي والمستشار القانوني ريان مفتي” للبلاد ” أن معظم شركات التداول على مواقع الإنترنت، وهمية ومجهولة المنشأ والمصدر، ومن الناحية القانونية فهي غير نظامية، ولاتخضع لقوانين مؤسسة النقد السعودي.
وأضاف: تعتبر محرمة دوليا؛ ولذلك البنوك السعودية ترفض التحويلات المالية لصالح هذه الشركات، ولذلك تقوم هذه الشركات بالتحايل عن طريق التحويل بأرقام بطاقة الماستر كارد، والبطاقات الائتمانية، ويتم البدء بتحويل مبالغ ضئيلة جدا في البداية لا تتجاوز في كل تحويل الـ 1000 دولار.
وأردف: بالنسبة لطبيعة العقوبات في هذه الحالة، فإنه ليس هناك عقوبات تخضع لهذه التداولات، وفي حالة التعرض للاحتيال، لا يستطيع الشخص أن يلجأ للقانون لحمايته.
مؤكداً أنه في الوقت نفسه، هناك بعض الأشخاص الذين يزعمون أنهم وسطاء، لدى هذه الشركات، فيبدأون الإيقاع بالضحايا الذين يبحثون عن الربح السريع. هذه الفئة تقع تحت التجريم القانوني، وحين يتم القبض على وسيط في هذه النوعية من التداولات يخضع لعقوبة النصب والاحتيال.
الرأي الاقتصادي للتعريف بهذا السوق
من جانب آخر، أكد الاقتصادي أحمد الشهري أن سوق الفوركس، يعتبر سوقا حقيقيا، ومن الأسواق الكبرى للتداول عبر العالم للاستثمار في العملات، وليس محددا بوقت معين كالأسواق المحلية .
وأشار الشهري في حديثه للبلاد، إلى أن مخاطر التداول بالسوق عالية جدا، ويتطلب الحذر والدراية والتدريب، قبل الدخول به؛ كونه مصنفا عالميا بالمخاطر العالية.
وأضاف: إن محركات البحث ساهمت في زيادة عدد المواقع المشبوهة، التي تصطاد العملاء المحتملين، وعلى الجهات المعنية القيام بدورها في مخاطبة تلك الشركات، التي تخترق الخصوصية المحلية لعملاء شركات الإنترنت المحلي، ومنع محركات البحث والمتصفحات من استهداف السوق السعودي بشركات وهمية في تجارة العملات ، والتي أدت إلى خسائر مدخرات بعض الأفراد في السوق السعودي ، ويتطلب ذلك تنسيقا بين وزارة الاتصالات، وتقنية المعلومات، ووزارة الداخلية، ومؤسسة النقد.
داعيا إلى الحذر من الانجراف في بعض الإعلانات التي قد توقع المتداول في حبائل الشركات الوهمية، التي تتعامل بالاحتيال والوسطاء .
الفتوى الشرعية :
وفي فتوى لمجمع الفقه الإسلامي حول التعامل مع تلك المعاملات المالية، بين المجمع أن المضاربة في العملات في سوق الفوركس تشتمل على محاذير شرعية، فمن لا يقدر على تفاديها، لا يحل له المضاربة في هذه السوق.
وقال في فتواه: إن التجارة بالعملات في سوق الفوركس، تشتمل على محاذير شرعية عديدة، وعلاقة العميل مع الوسيط علاقة تكتنفها أيضاً محاذير كثيرة، ومن هذه المحاذير أن السمسار أو الوسيط في سوق الفوركس، يقرض العميل؛ إما بفائدة أو بشرط أن يتعامل في السوق عن طريقه، وهذا كله حرام.
والحقيقة أن الوسيط في هذه السوق يقرض ما ليس عنده، والعميل يبيع ما لا يملك، فالمضاربة في العملات في هذه السوق كلها صورية، فلا الوسيط يملك المبلغ الذي يضعه في حساب العميل، وإنما هو مجرد التزام على الوسيط، ولا العميل يضارب فعلاً، فليس ثمة تسلم أو تسليم، إنما تتداول العملات بالأرقام، ولا يحصل القبض إلا بعد يومي عمل.
وإذا كان أساس العلاقة بين الوسيط والعميل هو التعامل بالهامش، ومعناه إقراض الوسيط للعميل أضعاف المبلغ الذي يفتح به الحساب، فإن ما يأخذه الوسيط من العميل ربا، وما ينتفع به الوسيط من عمليات العميل ربا؛ لأنه ناتج عن منفعة قرضه، وما يدفعه الوسيط للعميل مقابل هذا العقد لا يجوز.
ولا حيلة في تفادي الربا، أو الحرام إلا بالتزام أحكام الشريعة في القرض والتوسط، وأما قول السائل: إنه يستعمل ذلك المال في جبر الخسارة، فلا يغير من الأمر شيئاً، فإنه يحرم الإقدام على عقد محرم، كما أن المال الحرام إن حصل يتخلص منه حائزه، بأن ينفقه في منافع المسلمين العامة، لا في مصلحة نفسه.
من جهة أخرى، حذّر الكاتب والمحلل الاقتصادي عبد الرحمن بن أحمد الجبيري من الاستثمار في الفوركس، وهو المجال الأكثر شيوعا؛ نتيجة لانتشار الوسائل التقنية الحديثة على شبكة الانترنت محدداً معنى ذلك قائلا : كلمة “فوركس” تشير إلى سوق العملات الأجنبية أو البورصة العالمية للعملات الأجنبية، وهي اختصار للمصطلح من اللغة الإنجليزية “Foreign Exchange Market” أي “سوق تداول العملات الأجنبية”، وهو سوق مالي يمتد في جميع أنحاء العالم؛ حيث يتم فيه تداول العملات من قبل عدة مشاركين ، مثل البنوك العالمية والمؤسسات الدولية والأسواق المالية والمتداولين الأفراد، وقد تم استغلال ذلك بقيام أفراد وشركات وهميين والزعم بأنهم يعملون تحت هذا المفهوم، في حين أنهم ليسوا وسطاء، ولا علاقة لهم أصلا بالتداول في الفوركس فيحدث ما لايحمد عقباه، وأضاف: إن التعامل يتم من قبل أشخاص وشركات وهمية منتشرون حول العالم وتكون أنشطتهم عبر الإيميلات ، وشبكات التواصل الاجتماعي .
وشدد الجبيري على أن الاستثمار في هذه التجارة قد يشوبها غسيل أموال، كما أنها ذات مخاطر عالية؛ معتبرا إياها أحد أكبر المخاطر المالية؛ لارتباطها بتسهيلات مالية توفر للمتعاملين في السوق خطوط ائتمان مرتفعة، ونبّه إلى أن الدخول في الفوركس يحتاج إلى احترافية وخبرة مالية كبيرة، ومتابعة دقيقة والتعرف بشكل مستمر على الإحصاءات والبيانات التي تؤثر في الأسواق والعملات ومتغيراتها المستمرة ، وثقة عالية بالوسطاء، خاصة إذا تم ذلك عن طريق البنوك، أو جهات مصرح لها رسميا .
وحول أسباب الإقبال على نحو هذه الأعمال، قال الجبيري: إن ذلك يعزو إلى انخفاض مستوى التوعية الاستثمارية والذي تتحمل البنوك التجارية الجزء الأهم منه، ذلك أن دورها لايزال قاصرا في تثقيف المجتمع بالقنوات الاستهلاكية المناسبة ( تركز على تسويق منتجاتها ) فقط فعندما يجتمع الإغراء بالكسب السريع العالي، وقلة الوعي نصطدم بالنتيجة المؤلمة، وتابع: إن من أسباب الانتشار أيضا ضعف مستوى الرقابة، وصعوبة الوصول إلى تلك القضايا وتشتتها بين عدة أطراف، وغياب شفافية العقاب لمن تثبت إدانته. وأضاف: هناك أيضا النزعة النفسية للحصول على مكاسب سريعة، وخاصة لدى الطبقة الأقل من متوسطة الدخل واستغلال أموالها في ممارسات وأعمال مشبوهة، التي تفضي إلى خسائر فادحة ، وقال أيضا: إن انتشار وسائل التقنية الحديثة ساهم كثيرا في سهولة التصيد من خلال رسائل مغرية .
وحول الاثار الاقتصادية المتوقعة عن انتشار هذه الظاهرة، قال الجبيري: إن اثارها كبيرة ، خاصة على الفرد؛ حيث إنها تهدد مدخراته وتتآكل إلى مستوياتها الصفر أو أقل من الصفر ، مما يدعو المستفيد إلى اللجوء إلى القروض الاستهلاكية للدخول بالأموال في تلك الشركات ، وخسارتها مما يمثل عبئاً على الفرد وانخفاض قوته الشرائية، كما أنها تؤثر على حركة نمو رؤوس الأموال ودورانها، وانخفاض الجذب نحو قنوات الاتجاه الاستثماري الصحيح، مما يعطل البرامج الاستثمارية الحقيقية ، بسبب توجيه أموال في استثمارات غير فعلية.
وعن وضع الحلول المناسبة، قال الجبيري: يجب التوسع في الرقابة الصارمة وتفعيل برامج رقابية مشترك مع كافة الأطراف ذات العلاقة، وكذلك بث برامج توعوية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وأن تلعب الغرف التجارية والبنوك التجارية دورا مهما في نشر الوعي، وإقامة ورش العمل والملتقيات المتخصصة، وكذلك إنشاء بيوت خبرة تعني بتوجيه المستثمرين، وتقديم الاستشارات اللازمة وحثهم الى التوجه نحو الاستثمار الرسمية ، والتي توضح كافة الجوانب القانونية وحقوق كافة أطراف العقد الاستثماري ومنها ثقافة العقود ( معرفة أولا نظامية الشركة ، عرض العقد على جهة استشارية ، التمعن في قراءة البنود وأركان العقد ) .
واختتم الجبيري حديثه.. بأهمية قيام المتضررين بتقديم الشكاوي والرفع للجهات المختصة عن تلك الأضرار التي لحقت بهم، وكذلك إبلاغ وزارة التجارة والاستثمار عن أي أعمال وهمية لاتستند إلى مرجعية رسمية وقانونية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *