البلاد (جدة)
تتجه أنظار العالم نحو العاصمة الأمريكية واشنطن، التي ستستضيف قمة استثمارية كبرى بين السعودية والولايات المتحدة غدًا (الأربعاء)، ضمن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في زيارته الثانية للولايات المتحدة منذ عام 2018.
ويتوقع خبراء اقتصاديون ألا تقتصر الزيارة على أبعاد سياسية رفيعة المستوى؛ بل ستكون تتويجًا لشراكة اقتصادية إستراتيجية تمتد لعقود، شهدت مؤخرًا “انعطافة كبرى” نحو التنوع والابتكار. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 500 مليار دولار خلال الفترة من 2013 حتى 2024، فيما امتدت الاستثمارات لتشمل الصناعات المتقدمة، والاقتصاد الرقمي، والتطوير العقاري.
وأشار المراقبون إلى أن الفرص الاقتصادية الواعدة بين البلدين، التي وصلت قيمتها إلى 600 مليار دولار، مرشحة للوصول إلى تريليون دولار خلال هذه الزيارة، بما يعكس استكمال المرحلة الثانية من الاتفاقيات المعلن عنها خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الرياض. وتكتسب القمة أهمية مضاعفة؛ لكونها تدعم التوجهات السعودية الطموحة المرتبطة بمحاور رؤية السعودية 2030، الهادفة إلى عصرنة الاقتصاد وتنويع مصادره، وتحويل المملكة إلى قاعدة إنتاجية قائمة على المعرفة والتقنية والطاقة النظيفة.
ويرى الاقتصادي الدكتور عبدالله صادق دحلان أن العلاقات السعودية-الأمريكية تشهد تحولًا جذريًا وتسارعًا في مختلف المجالات. وأكد أن” التمويل السيادي والاقتصاد الرياضي والإبداعي والطاقة النظيفة” أصبحت تمثل روافع جديدة في معادلة العلاقة مع واشنطن.
وأضاف دحلان أن المملكة لم تعد مجرد مورد للطاقة، بل أصبحت مصدرًا للفرص وسوقًا للابتكار، من خلال استثمارات ضخمة في مراكز البيانات، والخدمات السحابية، والذكاء الاصطناعي، والقطاع المالي الرقمي.
وأوضح أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يوجّه نحو 40% من استثماراته العالمية إلى السوق الأمريكية، يعكس ثقة المملكة في قدرات الاقتصاد الأمريكي على الابتكار، فيما تنظر واشنطن إلى هذا التحول كـ”فرصة ضخمة للشركات الأمريكية” في مجالات التصنيع المشترك والتقنيات المتقدمة، بما يعزز المنافع المتبادلة ويسهم في توطين الصناعات وزيادة الناتج المحلي في المملكة.
ويشير الخبير الاقتصادي البروفيسور يحيى حمزة الوزنه إلى أن الزيارة تدعم التوجهات الاقتصادية الجديدة، وتفتح آفاقاً واسعة نحو تنفيذ رؤية 2030. وأضاف أن التحول السعودي “لا يلغي الاعتماد المتبادل، بل يعيد تعريفه”؛ إذ لم تعد المملكة مجرد مورّد للطاقة، بل أصبحت مهندس فرص واستثمار طويل الأجل، فيما تصبح واشنطن شريكًا تكنولوجيًا وتمويليًا رئيسيًا.
وأوضح الوزنه أن الهدف الأساسي من هذه الشراكة هو الاستفادة من الشركات والتكنولوجيا الأمريكية في تحويل المملكة إلى “قاعدة إنتاجية تعتمد على المعرفة والتقنية والطاقة النظيفة”. وتظهر الأمثلة العملية لهذا التعاون في مشاريع كبرى؛ مثل مشروع “نيوم للهيدروجين الأخضر” بتكلفة 8.4 مليار دولار بمشاركة شركة “إير برودكتس” الأمريكية، وكذلك دور شركة “جاكوبس” الأمريكية في تطوير مدينة “ذا لاين” الذكية؛ ما يعكس تحولًا كبيرًا في الاقتصاد والتخطيط العمراني المستدام ويعزز نقل المعرفة وتبادل الخبرات وخلق فرص العمل وزيادة المحتوى المحلي.
ويُبرز المستشار الاقتصادي والقانوني هاني محمد الجفري دور هذه الزيارة في تعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وتوطين الصناعات، وأوضح أن الاستثمارات الأمريكية المباشرة في المملكة بلغت 54 مليار دولار حتى عام 2023، أي نحو 23% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، موزعة على قطاعات حيوية؛ مثل النقل والخدمات اللوجستية (25.3 مليار دولار) والتصنيع (13 مليار دولار).
وأضاف أن الزيارة ستسرّع من وتيرة توقيع الاتفاقيات الكبرى، خصوصًا في قطاعات الصناعات المتقدمة والتقنية، بما يسهم في تحقيق أهداف توطين الصناعات وزيادة نسبة المحتوى المحلي في الناتج الإجمالي. ومع إعلان سمو ولي العهد عن رفع الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، من 600 مليار دولار المعلن عنها سابقًا، يصبح التعاون السعودي-الأمريكي شراكة إستراتيجية ثنائية الاتجاه، تعزز المنافع المتبادلة، وتدعم نمو الاقتصادين على المدى الطويل.
توقعوا أن تشهد زيارة ولي العهد لواشنطن توقيع اتفاقات كبرى.. اقتصاديون: الاقتصاد الرقمي والصناعات المتقدمة تتصدران القمة السعودية-الأمريكية
