الإقتصاد

الطائف.. أرض الورد لأغلى العطور

الطائف – عبدالهادي المالكي

من رحيق الورد الطائفي ودهنه يصنّع أغلى عطر في العالم، لما يحتويه من مركبات مستخلصة طبيعياً من الزهور النادرة بمزارع الورد في محافظة الطائف، التي يطلق عليها الخبراء الفرنسيون “مملكة العطور”.
وتنتج مزارع الورد الطائفي نحو 700 طن من ماء الورد سنوياً، في حين يبلغ إنتاج الدهن سنوياً 40 ألف تولة، ويصل سعر هذه العبوة الصغيرة أكثر من 1500 ريال.
تميزت محافظة الطائف بزراعة الورود خاصة في المناطق الجبلية مثل الهدا والشفا، ووادي محرم، والطلحات، ووادي الأعمق، ووادي البني، وبلاد طويرق والمخاضة.
وتحمل زراعة الورد الطائفي قصة تاريخية امتدت لسنوات طويلة من الخبرة في إنتاجه، الذي بلغ الآفاق في أسواق العالم الشهيرة بصناعة العطور الطبيعية، نظرا لتميزه باللون والرائحة الفريدة.

ويمر الورد خلال الحصاد بثلاث مراحل في اليوم، تتمثل الأولى في “القطاف” قبل شروق الشمس، والثانية “الوزن” لمعرفة كمية الحصاد، ليتم على ضوئها معرفة الحصاد اليومي، ومن ثم ينتهي المزارعون بالمرحلة الثالثة ألا وهي “التقطير” في القدور النحاسية التي تستوعب من 10 آلاف إلى 20 ألف وردة في كل مرة.
وخلصت الأبحاث لتطوير عمليات استخلاص الزيوت من الورد الطائفي بتطبيق الطرق الحديثة، والاستخلاص بالسوائل، والموجات فوق الصوتية، والاستخلاص بالميكروويف، وتم التركيز على أبحاث أخرى تستهدف حماية الورد من الأمراض الميكروبية والحشرية.

شهرة عالمية
ومع بداية شهر مارس من كل عام تبدأ مزارع الطائف موسم قطف الورود تزامنا مع قدوم فصل الربيع، ويستمر القطاف على مدى 45 يوما حتى منتصف شهر أبريل، وتتميز محافظة الطائف بهذا الحدث الموسمي الذي يعطر أجواءها، حيث تحتضن أكثر من 2000 مزرعة للورد تنتج أكثر من 2 مليون وردة يوميا، الأمر الذي حقق للمحافظة شهرة عالمية واسعة.
كما شهدت عملية زراعة الورد الطائفي تطورا مشهودا من خلال إجراء العديد من الأبحاث والدراسات العلمية لتطويره، بشكل يدعم تقديم منتجات ترتقي للمستوى العالمي في الصناعة السعودية، وتحقيق الريادة في هذا المجال.
أيضا تم تدشين” كرسي الورد الطائفي” بجامعة الطائف ويهدف إلى إجراء الأبحاث التطويرية لمنتجات الورد، وإقامة الورش والندوات العلمية فى مجال طرق استخلاص الزيوت بالطرق الحديثة، بجانب عمل أبحاث لحماية الورد من الأمراض الميكروبية والطفيلية والحشرية، وتنمية وتطوير مهارات مزارعي الورد الطائفي.

المياه والأيدي العاملة
خلال هذا الموسم انخفض إنتاج الورد مقارنة بالعامين الماضيين لعدة أسباب، أشار إليها مزارعون وأصحاب مصانع ، منها نقص المياه نسبيا وقلة الأيدي العاملة، لافتين إلى أن موسم الحصاد يحتاج عادة إلى ثلاثة أضعاف العمالة الموجودة على مدار العام، وأي نقص في هذين العنصرين يؤثر سلبا على إنتاج الورد، نظرا لحساسيته في الزراعة وموسم القطاف، مما يكلف المزارعين نفقات أكثر على حساب اقتصاديات المزارع، لاسيما أن نقل المياه عبر الصهاريج من الطائف إلى الهدا بشكل يومي يتطلب مبالغ مالية مرتفعة.
حول ذلك يقول راشد القرشي صاحب مصنع: إن كميات الورد الطائفي خلال العامين الماضيين كانت أكبر بكثير من العام الحالي وذلك بنسبة تصل الى 40%، بسبب قلة الأمطار على الطائف هذا الموسم، ما أثر على مزارع الورد مقارنة بالأعوام الماضية، ونتيجة لذلك قام بعض أصحاب المزارع بتحويل مزارعهم الى منتجعات زراعية سياحية تحقيقا لعائد أفضل، أو زراعة مساحاتهم بمحاصيل ومنتجات زراعية أخرى.
الأمر الثاني عدم وجود عمالة موسمية كافية لقطف محاصيل الورد في الوقت المناسب، وهذا النقص في العمالة يؤدي إلى تلف نسبة من إنتاج مزارع الورد ، مشيرا إلى أن كمية الورد التي أنتجت العام الماضي قرابة 500 مليون وردة، فيما محصولها هذا العام في حدود 300 مليون وردة.
في السياق، قال حماد الطلحي صاحب مزارع ومصنع ورد طائفي: إن قلة المياه كانت سببا رئيسا في ضعف إنتاج الورد هذا العام، ولهذا لم تتجاوز فترة إنتاج الورد 25 يوما في بعض المزارع بينما أقصاها 45 يوما كما هو معتاد في مواسم القطاف كل عام؛ حيث يصل موسم الأمطار العادية إلى قرابة 60 يوما من العطاء خلال فترة المحصول، وعلى ضوء ذلك


تراجع محصول الورد إلى 7 آلاف كيلو مقارنة بنحو 9 آلاف كيلو جرام العام الماضي.
ويضيف الطلحي: على سبيل المثال لدي صهريج مياه خاص بمزرعتي، وكنت أضطر لتعبئته 5 مرات يوميا لتأمين الري، بمجموع تكلفة 250 ريال يوميا، مما يحتاج إلى حلول جذرية من قبل وزارة الزراعة، وحسب المعلومات، هناك حلول منتظرة عن طريق المياه المكررة التي تصب في وادي وج.

مهرجان الورد
قبل أيام، انطلق مهرجان ورد الطائف برعاية أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وشهد يوم الافتتاح زحاما كبيرا من قبل الأهالي من مدينة الطائف ومن زوارها من خارج المحافظة، حيث صادف الافتتاح إجازة عيد الفطر المبارك والأجواء الباردة التي تشهدها عروس المصائف.
وأقيمت فعاليات المهرجان، الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع أمانة محافظة الطائف، في 3 مواقع رئيسة على مدى 14 يوماً، تبدأ من مطار الطائف الدولي الذي ستتزين صالاته بالورد مع جداريات تُبرز ثقافة وجمالية ورد الطائف، إلى جانب تزيين طرق وميادين المحافظة الرئيسة بمجسمات الورد، كما تم تزيين البوابات بالورود المعلّقة.
وشهدت الفعالية أكثر من 50 عرضاً حياً وفناً أدائياً في المسرح الرئيس للفعالية، وفي أروقة متنزه الردف، إضافة إلى قبة الورد التي تتضمن أكبر لوحة ورد وأضخم سلة ورد، إضافة إلى مجسمات وبوابات مجهزة للتصوير، و”سجادة الورد” المصنوعة من الورد الطبيعي.

تحفيز الاستثمار
وضمن فعاليات المهرجان أقيمت ورش عمل “عبق” الخاصة بالورد وصناعة العطور التي تهدف إلى تمكين شباب الوطن من الاستثمار بهذا المجال النوعي، إضافةً إلى معرض “رحلة ورد الطائف”، ومعرض “كلود مونيه” أحد أبرز المصورين والرسامين العالميين الذين اهتموا بمجال تأثير الضوء على المرئيات، ومسرحية “بائع الورد”.
كما تم إقامة حفلات غنائية بمشاركة مجموعة من الفنانين والفنانات، إضافةً إلى عروض موسيقية كعرض “كورال الفيحاء”، إلى جانب عرض موسيقى الورد بطريقة (الميدلي) بعنوان “ميدلي الورد”، ورقصات شعبية منوعة من مختلف أنحاء المملكة.
وضم “الشارع الثقافي”، “معرض الرسوم”، حيث عرض مجموعة من الفنانين التشكيليين لوحات تعكس هوية الفعالية، إضافة إلى تسويق المزارعين لمنتجات الورود، وأكشاك مخصصة للأسر المنتجة لعرض منتجاتهم ومكونات الطبخ المستلهمة من الورد الطائفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *