الرياضة

يوم أسود في تاريخ كرة القدم.. مباراة تشعل حرباً دامية بين السلفادور وهندوراس

محمود العوضي- جدة

الحرب دائمًا حدث حزين ومأساوي، وتزداد سوءًا إذا حدثت بين دول ذات ثقافات وتقاليد ومعتقدات مشتركة.
أحد هذه النزاعات اندلعت بين دولتين متجاورتين في أمريكا الوسطى، هما السلفادور وهندوراس، في نهاية ستينيات القرن الماضي، وقد يبدو سبب الحرب سخيفًا اليوم، لكنه كان بلا شك حدثًا مهمًا في تاريخ المنطقة.
ففي عام 1969م خاضت السلفادور وهندوراس حربا استغرقت 4 أيام، راح ضحيتها آلاف الأرواح، وما يزال كثيرون يتذكرون هذا النزاع باسم “حرب الكرة”.
ففي ذلك العام وتحديدا في 27 يونيو كانت النتيجة تشير لتعادل منتخبي السلفادور وهندوراس بهدفين لكل منهما في ملعب أزتيكا في مكسيكو سيتي. وكانت هذه المباراة الثالثة بين المنتخبين في غضون أسابيع؛ في إطار تصفيات التأهل لكأس العالم عام 1970م في المكسيك، في ظل منافسة لم يكن لها مثيل.


وكانت هندوراس قد فازت في المباراة الأولى في عاصمتها تيغيوسيغالبا بهدف دون رد، ولكن في المباراة الثانية بسان سالفادور فازت السالفادور 0/3. وقد شهدت المبارتان أحداث عنف.
وفي المباراة الثالثة والحاسمة وعند الدقيقة 11 من الوقت الإضافي، تقدم لاعب السلفادور الشهير حينئذ موريشيو “بيبو” رودريغيز إلى منطقة جزاء هندوراس، واستقبل كرة برأسه ليحولها إلى داخل شباك الحارس جيمي فاريلا.
وفي الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب يقول رودريغيز: “عندما أحرزت الهدف لم أكن اعتقد أن هناك مزيدا من الوقت أمامهم للتعادل، فقد كنت على يقين أننا فزنا وانتهى الأمر.”
وانتهت المباراة بالفعل بفوز السلفادور بثلاثة أهداف مقابل هدفين، وقد تعانق اللاعبون وتصافحوا وغادروا الملعب، ولكن في غضون ثلاثة أسابيع اندلعت حرب شاملة بين البلدين.
فالسلفادور وهندوراس يشتركان في حدود طويلة، وكانتا دائمًا تتنافسان ضد بعضهما البعض في جوانب مختلفة منها التجارة والهجرة، وللأسف كرة القدم.
بعد فوز السلفادور باللقاء الثالث وتأهلها لمونديال المكسيك 1970، تعرضت الجماهير والمواطنون السلفادوريون لسوء المعاملة من قبل الشرطة والجماهير الهندوراسية.
فشعر السلفادوريين بالإهانة والغضب، ما أدى إلى مزيد من التوتر في علاقات البلدين.


وفي 14 يوليو 1969م، قطعت السلفادور العلاقات الدبلوماسية مع هندوراس، بسبب القضايا المستمرة والخلافات الحدودية المتصاعدة، وكانت الحكومة السلفادورية تشعر بالإحباط بشكل متزايد من إصلاحات الأراضي وطرد مواطنيها العاملين في هندوراس، وفي اليوم التالي، شنت الطائرات الحربية السلفادورية هجومًا على قاعدة هندوراس الجوية في تونكونتين، مما تسبب في أضرار كبيرة.
كان قرار خوض الحرب بمثابة صدمة للعالم، حيث لم يكن لدى كلا البلدين القوة العسكرية أو الموارد المالية لخوض معركة طويلة الأمد.
اندلاع حرب الكرة
بالفعل بدأ القتال في 15 يوليو 1969م ، عندما بدأ الجيش السلفادوري عبور الحدود إلى هندوراس، واستولت على العديد من البلدات والمدن، واشتد القتال حيث استخدم كلا البلدين قواتهما البرية والجوية والبحرية، ورغم استمرار الصراع لمدة أربعة أيام فقط ، فقد كانت الأضرار النفسية والجسدية طويلة الأمد، حيث أودت الحرب بحياة ما يقرب من 3000 شخص، أكثرهم من المدنيين. وأصبح عشرات الآلاف من الأشخاص لاجئين اضطروا إلى الفرار إلى البلدان المجاورة.


انتهت الحرب في 18 يوليو 1969م ، بعد تدخل منظمة الدول الأمريكية (OAS)، وتم التوقيع على معاهدة سلام، وسحبت السلفادور قواتها، وطالبت المعاهدة هندوراس بعدم إساءة معاملة السلفادوريين وإعادة ممتلكاتهم المصادرة لهم، وأدى عدم وجود عقوبة أو تعويضات من أي من الجانبين إلى شعور العديد من السلفادوريين بالغضب والخيانة.
كان لـ “حرب كرة القدم” تأثيرات طويلة المدى على كلا البلدين. فقد عانت السلفادور من عدم الاستقرار السياسي، واستولى الجيش على السلطة في انقلاب عام 1979م، كما واجهت البلاد حروبًا أهلية مدمرة وفقدت العديد من الأرواح، وواجهت هندوراس أيضًا اضطرابات سياسية، عندما تولى الجيش زمام الأمور في عام 1972م وحكمها لأكثر من عقد، وتأثر اقتصاد كلا البلدين بشدة، واستغرق الأمر بعض الوقت للتعافي. كان تأثير الحرب كبيرًا وصادمًا للغاية لكل من البلدان ومواطنيهما.
كانت حرب كرة القدم صراعًا مأساويًا بسبب مباراة كرة قدم عادية. بدأ الصراع بكرة القدم لكنه انتهى بنزاعات إقليمية وانهيار دبلوماسي، وأظهرت الحرب كيف يمكن أن تتطور الأحداث الصغيرة إلى نزاعات كاملة، ما يترك أجيالاً في حالة صدمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *