المحليات

إيذاء الأطفال.. اعتداءات على قيم الرحمة

جده – رانيا الوجيه

يتعرّض بعض الأطفال في حياتهم إلى تّعنيف يؤثر على شخصيّتهم ومسار حياتهم، وأكثره العنف والإيذاء الجسدي بالضّرب، وهناك أيضا العنف اللّفظي حينما يتعرّض الطّفل للشّتم والسبّ والتّقريع، وكذلك العنف المعنوي الذي يأخذ أشكالًا مختلفة مثل القهر والكبت ومنع الطّفل من ممارسة نشاطاته كبقية أقرانه.

بين يوم وآخر تتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد عنف في المجتمعات ضد الأطفال، ومن ثم يظهر الأب متأسفا ويبرر تصرفه المعنف بأنه يعاني من ضغوط نفسية أو مرض عصبي، رغم أن العنف ضد الأطفال تصرف لا يقبل الأعذار مهما كانت الظروف. فيما أشارت الدّراسات إلى أنّ العنف ضدّ الأطفال يُسبّب ظهور الأمراض النّفسيّة ويكسبهم صفات العدوانيّة اتجاه الآخر لاعتقادهم أنّ المجتمع لم يوفّر الحماية اللازمة لهم في مرحلة كانوا فيها أحوج ما يكون إلى مشاعر العطف والحنان والرّعاية.

وقد كشفت دراسة أن العنف في مرحلة الطفولة يكاد يكون عالميا، مما يؤثر على 1.7 مليار طفل على مدار العام الواحد. وتطرقت الدراسة إلى صنوف العنف التي يتعرض لها الأطفال، وبينها العراك والضرب والعقاب البدني في المنزل والمدرسة. وسبق أن أوضحت المديرة التنفيذية لمؤسسة “تعرف على العنف في الطفولة”، إن الأطفال يتعرضون لعقوبات عاطفية وجسدية منذ سنتين من العمر ، مضيفة بأن العنف سلوك متجذر في ثقافات عدة، وعلى سبيل المثال يعتبر الضرب في بعض المجتمعات شكلا من أشكال الانضباط.


مشاهد صادمة
يتذكر كثيرون حادثة الطفلة التي كان والدها يعنفها بشدة من باب أنه يريد أن يعلمها المشي، ظهر مقطع فيديو آخر جديد ، يظهر به أب يقوم بضرب طفله وحرقه دون رحمه . فمن يحمي هؤلاء الأطفال من أعمال العنف خاصة وأن الاحصائيات العالمية تشير إلى أن الأطفال هم أكثر الجماعات عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان. وقد يصدر العنف من أسرة الطّفل كالأب أو الأم أو الأخت، وهذا العنف يعدّ من أخطر أشكال العنف ضد الأطفال نظرًا لأنّ الطّفل لا يتوقّع من عائلته المقرّبة في هذه المرحلة العمريّة سوى الحنان والعطف والمحبّة والرّعاية، وبالتّالي يشكّل صدور العنف من قبلهم أمرًا صادمًا له، وهناك العنف الذي يمارس على الطّفل من قبل المجتمع الخارجي سواءً في المدرسة أو في الشارع وهذا العنف له آثاره الوخيمة على نفسيّة الطفل كذلك.

الرأي القانوني والعقوبات
حول التفسير القانوني لمشكلات العنف يقول المحامي سليمان الحلواني : بداية يجب أن نعرف مصطلح العنف او الإيذاء فهو كل شكل من أشكال الاستغلال او إساءة المعاملة الجسدية او النفسية او الجنسية او التهديد به يرتكبه شخص تجاه شخص آخر متجاوزاً بذلك حدود ما له من ولاية عليه أو سلطة او مسؤولية أو بسبب ما يربطهما من علاقة أسرية أو علاقة إعالة أو كفالة أو وصاية أو تبعية معيشية.

وعقوبة كل شخص إرتكب مثل هذه الجرائم دون الإخلال بأية عقوبة أخرى مقررة شرعاً ونظاماً ضد مرتكب جريمة التعنيف والايذاء هي السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة وبغرامة مالية لا تقل عن خمسة آلاف ولا تزيد عن خمسين ألفا أو بإحدى هاتين العقوبتين وكما أشرنا مسبقاً بأن الشخص الذي ارتكب مثل هذه الجرائم قد يحكم عليه بعقوبة تعزيرية أو نظامية أخرى حسب الضرر العائد على المعنف وما تبع التعنيف من جرائم ومخالفات أخرى للنظام والشرع والقانون.

ويضيف : الدولة مشكورة وضعت القوانين والأنظمة لردع أمثال هؤلاء المجرمين وأيضاً تكفلت بحماية ورعاية الأطفال والمعنفين عبر وزارة الشؤون الاجتماعية ومراكز الحماية من الإيذاء والعنف التي تتلقى البلاغات على مدار الساعة عبر الرقم 1919 لتقوم باتخاذ اللازم بالتعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية والأهلية لذلك على كل من يتعرض لاي من حالات العنف او الإيذاء او على كل من يعلم ويتأكد عن تعرض حالك معينة لعنف جسدي او نفسي او غيره التقدم ببلاغ رسمي للجهات المعنية ومنها مراكز الحماية.

الوعي والتشريعات
وطالب المحامي سليمان الحلواني المجتمع بأن يكون أكثر وعياً ، بعدم تداول مثل هذه المقاطع عبر برامج التواصل لكي لا يتأثر البعض أو تنتشر مثل هذه التصرفات بين أطياف المجتمع وتعطي صورة نمطية عامة عن أفراد هذا المجتمع أنهم معنفون أو مشجعون لمثل هذه الأفعال ، ومن يقوم بمباشرة التصوير والنشر عبر وسائل التواصل فهو ارتكب فعلاً مُجَرَمْا قانوناً ونظاماً ويعد هذا الفعل مخالفة لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية حيث نصت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة فيه ( الإساءة للحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا أو مافي حكمها بالسجن مدة لاتزيد على سنة وغرامة لاتزيد على خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين ) .


تشريعات ومراكز حماية
انخفضت معدلات قضايا العنف ضد الطفل في المملكة في الآونة الأخيرة، بموجب التقارير الصادرة عن هيئة حقوق الإنسان السعودية، الأمر الذي يعكس ارتفاع مستوى الوعي العام لدى المواطنين، وتطبيق الأنظمة الصارمة تجاه مرتكبي العنف ضد الأطفال.

وتطبق وزارة العدل إجراءات نظام الحماية من الإيذاء للتعامل مع العنف الأسري, وأنشأت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مركزاً يعمل على مدار الساعة لتلقي البلاغات ضد حالات العنف بما يضمن التدخل السريع والتنسيق الفوري مع الجهات ذات العلاقة, بالإضافة إلى مشاركة وزارة التعليم باستحداث وتشريع نظام يضمن الحد من حالات العنف ضد الأطفال داخل النظام التعليمي، وتكثيف الإرشادات للطلاب وتوعيتهم.

الرحمة والحب
أوجب الاسلام على الوالدين إحاطة الطفل بجو الحب والرحمة ليتحقق له الاشباع العاطفي. في حين أن الجو الاسري غير الملائم والمشحون بمواقف القسوة والحرمان ينعكس على شخصية الطفل ويجعلها مضطربة. عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال – قبل الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الاقرع بن حابس التميمي جالس فقال الاقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا. فنظر عليه السلام إليه وقال: من لا يَرحم لا يُرحم.

وأولت المملكة حقوق الأطفال أهمية كبرى، حيث سنت القوانين النابعة من الشريعة الإسلامية الغَرَّاء والمتناغمة مع الاتفاقيات الدولية التي تكفل حماية هذه الحقوق، وقامت بتفعيل آليات الرصد والرقابة الوطنية لضمان التطبيق الفعال للتشريعات المعمول بها في مجال حقوق الأطفال، كما تطبق استراتيجية وطنية لحماية الطفل، وتعزيز القدرة المؤسسية للجهات التي تتعامل مع الأطفال وأسرهم، بما يتوافق مع رؤية المملكة للتنمية المستدامة 2030.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *