قضية متابعات

التشريعات المتخصصة.. تحقيق للمساواة وإقامة للعدل

 البلاد – مها العواودة ـ رانيا الوجيه ـ أحمد الأحمدي

أكد قانونيون أن تطوير منظومة التشريعات المتخصصة، يساهم في تحقيق الشفافية والوضوح في القواعد الشرعية، ويؤسس لمرحلة قانونية جديدة، ويلبي احتياجات اجتماعية واقتصادية وإنسانية، بل ويرسم مسارات المستقبل لدولة عصرية، أصبح التطور الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي سمة من سماتها، ولفت قانونيون، تحدثت إليهم ” البلاد ” إلى أن تقنين الأحكام القضائية؛ تحقيق للمصالح ودرء للمفاسد ورفع للحرج والمشقة عن العباد، والتسيير عليهم في أعمالهم ومصالحهم اليومية. وأكدوا في الوقت نفسه، أن تحديد الأحكام الإجرائية والموضوعية بشكل مسبق، يجعل المتقاضين على بينة من أمرهم، وما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات قبل اللجوء إلى مرفق القضاء، فالمتقاضي يستطيع تحديد موقفه مسبقًا قبل الدخول في خصومة قضائية حول مدى جدواها بالنسبة له، كما أن ذلك يسهم في التخفيف على مرفق القضاء، وقالوا: من المسلم به أن المتقاضي، إن كان على بينة من أمره وضعف موقفه في إحدى الدعاوى فلن يقدم على اللجوء إلى القضاء؛ توفيرًا لوقته وجهده وماله. وأكدوا على أهمية صدور التشريعات المتخصصة التي تكتمل بها أركان القضاء المؤسسي، وسينتهي تماماً اجتهاد القاضي في اختيار الحكم للواقعة، وسيكون معنيًا بتطبيق النص القانوني، ويرون أن ذلك سينعكس بشكل كبير على تحقيق العدالة من ناحية التساوي في الحكم لذات الفعل بعكس السابق، وتوقع الأحكام ومالها من حيث حدها الأقصى والأدنى، فضلا عن تسهيل عملية الرقابة على مخرجات القضاء والأحكام والشفافية.

وفي هذا السياق، أوضح المحامي وعضو هيئة حقوق الإنسان الدكتور عبد الحكيم الخرجي، أن التقنين إحدى الوسائل التي تسهم في تعزيز فعالية وكفاءة القضاء المؤسسي، فالتقنين لا يعني بالضرورة – كما قد يتبادر إلى ذهن البعض – الخروج من عباءة القواعد الشرعية، لأن التقنين يعني اختيار القول الراجح في مذهب ما أو اختيار أحد أقوال المذاهب؛ سواء كان هذا الاختيار لاستناد القول إلى دليل شرعي قوي أو لأنه أقرب لتحقيق مقاصد الشرع لما فيه من تحقيق المصالح، ودرء للمفاسد، ورفع للحرج والمشقة عن العباد، والتيسير عليهم في أعمالهم ومصالحهم في حياتهم اليومية. ويرى أن التقنين بهذا المعنى يسهل القاضي والمتقاضين وكافة المهتمين بالشأن القضائي الوقوف على القواعد التي تسير عليها الدولة والمجتمع، ويسهل على ولاة الأمر مراقبة أعمال القضاة، وتمييز الأحكام الصحيحة من الباطلة، كما يعزز تحقيق المساواة وإقامة العدل في المجتمع، ويوحد الأحكام في القضايا المتشابهة من خلال نسق إجرائي وموضوعي موحد، مشيراً إلى أن تحديد الأحكام الإجرائية والموضوعية بشكل مسبق يجعل المتقاضين على بينة من أمرهم وما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات قبل اللجوء إلى مرفق القضاء، فالمتقاضي يستطيع تحديد موقفه مسبقًا قبل الدخول في خصومة قضائية ومدى جدواها بالنسبة له، ولفت إلى أن ذلك يسهم في التخفيف على مرفق القضاء، فمن المسلم به أن المتقاضي، إن كان على بينة من أمره وضعف موقفه في إحدى الدعاوى فلن يقدم على اللجوء إلى القضاء، توفيرًا لوقته وجهده وماله، كما أن التقنين يسهم في الحد من الاجتهادات الفردية غير السائغة للقضاة، وتوحيد الأحكام، ومنع تضاربها، لكنه لا يمنع هذه الظاهرة بشكل كامل؛ لأن توحيد الأحكام والحلول لا يعتمد على القاضي وحده، بل على المنظم أيضًا فمتى كان النص النظامي واضحًا ودقيقًا في عباراته، ويعبر عن إرادة المنظم بشكل لا يحتمل اللبس أو التأويل فعندئذ يمتنع الاجتهاد ولا يملك القاضي، إلا النزول على رغبة المنظم وتطبيق النص، لكن إذا كان النص غامضًا لا يعبر بشكل واضح عن إرادة المنظم، فهنا يجد القاضي نفسه مضطرًا لإعمال الاجتهاد والتفسير القضائي في محاولة منه لاستخلاص إرادة المنظم. وأضاف” إذا أخذنا مجال العقوبات كمثال تطبيقي على الأفكار السابقة، فالأصل طبقًا للمادة الثامنة والثلاثين من النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/ 90 وتاريخ 27/08/1412 ه أنه: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي، أو نص نظامي، ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي ” وبالتالي ففكرة تقنين الأحكام الجزائية تسهم في تعزيز مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات؛ بحيث لا يكون هناك عقاب على أي فعل إلا إذا كان هناك نص يجرم هذا الفعل، وبالتالي لن يكون هناك عقاب على أفعال أو وقائع إلا إذا كان معاقبًا عليها بموجب النظام الجزائي العام أو الأنظمة ذات الصلة. ” مؤكداً أن الحد من الاجتهادات غير السائغة وتوحيد الأحكام والحلول لا تعتمد على التقنين فقط، ولكنها تعتمد أيضًا على مدى دقة النص ووضوحه في التعبير عن إرادة المنظم بشكل لا يحتمل اللبس أو الغموض أو يفتح الباب للاجتهاد والتأويل.

تحقيق العدالة
كما يؤكد الدكتور المحامي وائل بافقيه، على أهمية صدور التشريعات المتخصصة، التي يكتمل بها أركان القضاء المؤسسي وسينتهي تماماً اجتهاد القاضي في اختيار الحكم للواقعة، وسيكون معنيًا بتطبيق النص القانوني، ويرى أن ذلك سينعكس بشكل كبير في تحقيق العدالة القضائية من ناحية التساوي في الحكم لذات الفعل، بعكس السابق، وتوقع الأحكام ومالها من حيث حدها الأقصى والأدنى، فضلا عن تسهيل عملية الرقابة على مخرجات القضاء والأحكام والشفافية. وأوضح أن صدور القوانين الجديدة، الخاصة بالنظام الجنائي؛ سواء من ناحية توصيف الفعل الإجرامي وتحديده فلا يكون الفعل مجرما إلا بموجب نص نظامي، ومن ثم تحديد العقوبة للفعل المجرم سيحد من دور اجتهاد القاضي، ففي السابق كان القاضي يبحث عن سند لتجريم الفعل، ومن ثم يجتهد في إيجاد عقوبة للفعل، وهو الأمر الذي يخرج عن دور القاضي ومهمته الأساسية.

حق الاعتراض
في السياق نفسه، قال المحامي والمستشار القانوني جاسم العطية: إن صدور أي تشريع أو تنظيم لأي مرفق أو نشاط سيكون عاملاً مساعداً في استكمال المنظومة العدلية، والقضائية ويجعل الأشخاص ” الطبيعيين أو المعنويين ” المعنيين بالنظام أو التشريع أكثر اطمئنانا لعدالة الأحكام، التي تصدر بحقهم وثقة في أن لا يلحقهم حيف أو عسف في تطبيق النظام، وخاصة عندما يحدد النظام (أي نظام) العمل المُجَرّم والعقوبة الواجبة التطبيق؛ حيث إن القاعدة أنه” لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص”، وتابع “مقتضى ذلك أنه لابد عند صدور عقوبة على فعل معين من أن يكون مجرماً في الأساس في نظام العقوبات في حال صدوره أو أي نظام آخر بمعنى أن يكون الفعل مجرما و العقوبة محددة، غير أن ذلك لن يلغي اجتهاد القاضي بالمطلق حيث الوقائع مختلفة والعقوبات مختلفة أيضاً؛ حيث إن الأفعال المُجَرّمة تنقسم إلى : أفعال مجرمة بشكل قاطع والعقوبات محددة، بشكل واضح فالمفترض أن لا يتم اجتهاد في مقابل النص، وتوجد أفعال مجرمة ولكن لا يوجد لها عقوبة محددة بنص صريح، فهنا لا بد من اجتهاد القاضي في إيقاع العقوبة التي يراها مناسبة باجتهاده على الفعل المُجّرم ولكن ذلك لا يعني أن يكون حكمه نهائيا”.
مؤكداً أن كافة الأنظمة السارية تكفل للمتقاضين حق الاعتراض على الأحكام وطلب إلغائها أو تعديلها، ويكون للمحاكم الأعلى درجة تأييد الحكم أو إلغاؤه أو تعديله.

أركان القضاء
وقال المستشار والمحامي دكتور عادل السقا: لا شك أن التشريعات المتخصصة هى مكملة لأركان القضاء بشكل عام بمفهومها الواسع بمعنى أدق لا اجتهاد بعد ذلك فى جميع الأحكام القضائية، أمام المحاكم بكافة أنواعها، والكل سيستفيد من نصوص الأحكام. المواطن والمقيم خاصة المستثمر الذى يجهل حقوقه فى القضايا الخاصة بأعماله، إذا ما حدث خلاف مع الغير؛ لكونها ثقافة قانونية عامة للجميع.
ولا خلاف على أن التقيد بنصوص الأحكام هى فى الأصل إلزامية على جميع القضاء، والمتقاضين ولكن تكمن المشكلة فى تطبيق النص على الواقعة، وهي ما سوف تكون محل خلاف، حال طرحها أمام القضاء، وهذا الأمر ينصب على دور المحامي فى طرح الواقعة بوضوح دون لبس أو غموض؛ ليسهل للقاضي الحكم بنص المطابق للواقعة؛ ومن أجل ذلك أنصح كل المتقاضين الاستعانة بالمحامين والمحاميات، أو باستشارة عن كيفية طرح منازعته وطلبه بما يتوافق مع نص النظام للوصول إلى حقه بكل بساطة.
وأضاف: من المعلوم أن العقوبات تنقسم إلى شقين؛ الأول عقوبة سماوية شرعية، وهي ما حدّه الله فى عقوبة القصاص والحرابة وقطع اليد وجلد الزانية والزاني وجلد القذف وجلد المسكر، وجميع ما حده الله فى الكتاب والسنة والثاني التعزيز، وهى العقوبة التى يصدرها ولي الأمر، بما لا تتعارض مع الكتاب والسنة مثل عقوبة المخدرات والرشوة والتزوير وغسل الأموال والإرهاب، والمعلوماتية، وما في حكمهم، وبالتالي” لا عقوبة إلا بنص ولا نص إلا بعقوبة”.

نقلة نوعية
واستطرد المستشار السقا بقوله : مما لا شك فيه نحن أمام نقلة نوعية غير مسبوقة، وهى من رؤية ٢٠٣٠، التى بدأت بما هو متعلق وبما يمس تطمين سلامة وكرامة المواطن والمقيم والمستثمر، ولقد أسعدني قرارات إلغاء الحكم بالشبهة والجلد فى عقوبات التعزير، وإيجاد العقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية(السجن) وأجمل ما فى ذلك سرعة اتخاذ القرارات، والحمد لله، جميعها صائبة ومدروسة بعناية فائقة وتدل على حنكة ولاة الأمر، حفظهم الله. وها نحن نجني ثمار الرؤية 2030 فى كافة القطاعات ذات العلاقة، بما يضمن مصلحة المواطن والمقيم والمستثمر دون تميز، ومن جانب آخر محاربة الفساد بكافة أنواعه .

أركان القضاء
المستشارة القانونية سارة الأبادي، توضح بقولها: بعد صدور التشريعات المتخصصة ستكتمل أركان القضاء المؤسسي، ولقد أصبح التشريع في العصر الحديث يحتل مكانة مرموقة في إطار مصادر القانون، فأغلب المجتمعات المتطورة تعتمد عليه. فهو المصدر الأصلي العام للقاعدة القانونية؛ إذ إن القاضي يتعين عليه أن يلجأ إليه للوصول إلى القاعدة التي تحكم النزاع، فلا يمكنه أن يعدل عنه إلى باقي المصادر الأخرى إلا في حالة عدم وجود قاعدة فيه أو إذا أحال هو على مصدر آخر.
فالأنظمة الجديدة المعلن عنها، تعتبر نقلة نوعية وتطورا في البيئة التشريعية وخطوة نحو نظام قانوني مدون، ومن المميزات المهمة أنه سيمهد الطريق؛ لإحقاق العدالة بشكل أسرع نظراً لتحديد وتعيين النصوص القانونية التي سيسهل على المتقاضين والقضاة الرجوع والاستدلال بها. ‏‎ كما أنه سينتهي تماماً اجتهاد القاضي في اختيار الحكم الملائم للواقعة، وسيكون معنيًا بتطبيق النص القانوني؛ فالأنظمة الجديدة ستسهل على القضاة اختيار الحكم الملائم للقضية وسيكون الاجتهاد محصورا في إطار معين، لكن في جميع الأحوال فإن اجتهاد القاضي سيكون له دور فعال في إنزال النص على الواقعة المراد الحكم فيها وفق الإطار المحكوم من النص القانوني. ‎وبصدور نظام العقوبات؛ لن يكون هناك فعل مجرم إلا وهو منصوص عليه في النظام، أو الأنظمة ذات الصلة. لا شك أن التدوين سيسهل على القضاة إصدار الأحكام، كما سيسهل أيضاً على أعوان القضاة وعامة الناس الرجوع للنصوص القانونية، إضافةً إلى ذلك سيقلل من تفاوت الأحكام في القضايا المتشابهة في الوقائع ما يحقق عدالة بين الجميع ويقطع التضارب ولن يكون هنالك عقوبة إلا بنص شرعي، أو قانوني وفق القانون الذي ينظم العقوبات، والإجراءات الجزائية؛ ووفق القواعد القانونية المعتبرة والتي نصت على أنه” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أونظامي” . كما أن ذلك يوفر استراتيجية وخطة متكاملة لإنفاذ التشريعات المتخصصة، تشمل التعليم والتدريب والتوعية. فلابد من أجل تطبيق القوانين، أن يكون هنالك استراتيجية تطبق من أجل إفهام الناس وإعلامهم بالقانون وماهيته وحدوده والحقوق والواجبات التي عليهم، وفق نظرية الحق في القانون وملخصها ” أن يُعلم الحق ثم ينشر وبعدها يعاقب المخالف والمنتهك لهذا الحق وفق القانون ” ومن أجل أن يكون هناك فعالية في احترام القانون وتطبيقه والالتزام به يجب أن يكون هنالك تدريب وإعلام وإفهام للناس من مراحل سنوات الأولى، فتدرس بعض مبادئ الحقوق؛ بدءاً من أول المراحل الدراسية، وفي جميع مراحلهم حتى يعلم الجميع ماهي حقوقهم وواجباتهم المقررة في القانون والأنظمة المرعية.

صلاحيات قضائية
المستشار القانوني سعد محمد الداموك، أوضح أن المملكة العربية السعودية، تسير وفق خطوات جادة في السنوات الأخيرة نحو تطور البيئة التشريعية وتطوير مرفق القضاء وإصلاح الأنظمة التي تحفظ الحقوق وترسخ مبادئ العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان، وتحقق التنمية الشاملة، وتمنع جميع الاجتهادات وازدواجية التقديرات في الأحكام لذات الواقعة. كا أن هذا الأمر يمثل موجة جديدة من الإصلاحات التي ستسهم في استقرار المعاملات والتنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة الأجهزة العدلية، وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، ومنع الاجتهادات غير العادلة.

سيادة القانون
ويقول المحامي القانوني فيصل غربي”: تمثل هذه التشريعات نقلة تاريخية في مسيرة العدالة، وسيادة القانون، و‫حقوق الإنسان، التي راعتها الشريعة الإسلامية في المقام الأول، وتعتبر هذه التشريعات تقنيناً لأحكام الشريعة الإسلامية، وجاءت مراعيةً للاتفاقيات والمعايير الدولية، وستمثل موجة جديدة من الإصلاحات، التي ستزيد كفاءة أداء المنظومة العدلية، ومنتسبيها والمستفيدين منها؛ حيث إنها ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام، وعدم التباين بين الأحكام، وستحد هذه التشريعات من طول أمد التقاضي، والإسهام في تحقيق طموحات وأهداف”رؤية المملكة 2030″.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *