متابعات

سنوات الدال.. رحلة العلم والمعرفة

بقلم: الدكتور أسامة بن غازي المدني

صدر مؤخراً كتاب “سنوات الدال”، للدكتور بكري بن معتوق عساس، والذي يشد القارئ من عنوانه قبل الدخول في تفاصيله الغنية بالمعرفة، واكتشاف ثقافات الآخرين من خلال رحلة علمية صادف خلالها العديد من المواقف التي علقت بمخيلة الكاتب، ليسكب مادة ثرية على صفحات كتابه، تتسم بسهولة المفردة ووضوح المعاني، ودقة التعبير.
الكاتب الدكتور عساس، أحسن اختيار عنوان الكتاب “سنوات الدال”، فهو رمزي يشد انتباه القارئ ويأخذه في رحلة تأويل لرمزية “الدال”، كأنها لغز على القارئ أن يفك شيفرته، وما إلى ذلك من سبيل، سوى مرافقة الكاتب في رحلته ليعرف منه دلالة حرف الدال، التي هي اختصار لكلمة الدكتوراه.
اللافت للانتباه أيضاً أن الكتاب جاء في مقدمة وتوطئة ونحو 40 عنواناً مختصرة، وجاذبة تشد القارئ، تناول كل منها جزءا من رحلته، ومحطاته في غربته لتشكل العناوين في النهاية نقاطاً متتابعة على خط سير رحلة الابتعاث التي دامت لأربع سنوات، كللت بنيل الكاتب درجة الدكتوراه في مجال الإحصاء التطبيقي.


المؤلف طرح في كتابه فكرة الرحلة في طلب العلم، وما يعترضها من مشاق وعقبات، انطلاقاً من مبدئها، حيث الوطن الذي يبتعث أبناءه لينالوا أرفع الدرجات العلمية، مروراً بمعرفة الشخوص والأماكن التي زارها المؤلف وأقام بها، ثم منتهاها العودة إلى الوطن من جديد للمساعدة في نهضته، ووضعه على مسار التقدم. فالكتاب يتضمن قصص الارتحال بتفاصيلها، والسكن والتسجيل بالجامعة، والتنقل بين الطرق وتغيرات المناخ، وتقاليد الشعوب المختلفة التي عاش أفرادها طالب العلم، والموافق التي صادفته خلال السنوات التي قضاها بالمجهر.

الدكتور عساس، وضع القارئ معه في قلب الأحداث التي عاشها مع المجتمع الويلزي، سواء أن على مستوى الحي أو الجامعة أو الأسواق العامة، إذ روى بالتفصيل رحلة اندماجه مع البيئة “الوليشة”، والصداقات التي كونها مع “الولشيين”، وكيفية تأثيرها على نمط حياته، خصوصاً أنه تعلم منهم الاعتزاز باللغة والعادات والتقاليد كمجتمع محافظ، بينما سرد د. عساس بعض القصص والمواقف والطرائف الحياتية التي تبين درجة اندماجه مع المجتمع الجديد، لتكون بمثابة تحفيز إضافي لمتابعة قراءة الكتاب بنهم، بعيداً عن الملل.

فكرة الكتاب تتناسب تماماً مع الفترة الحالية التي يطمح فيها كل سعودي للتميز والإبداع على كافة الأصعدة العلمية والثقافية، والمجتمعية، لأن فصول الكتاب مليئة بالتحفيز لطلب العلم، كما أن أسلوب د. عساس قريب إلى النفس، مستخدماً ألفاظاً سلسة، سهلة المأخذ، مع عبارات رشيقة، وأفكار واضحة، ذات مضمون سهل، تركز على أهمية العلم وفضله، فمنهجية الكاتب جاءت متوازنة تعلي من تجاربه ولا تستنكف عن تجربة نافعة دون استكانة أو ضعف، ودون هوان أو شعور بالتبعية والتقليد، كما تجلت في الكتاب أصالة الكاتب وعراقته، ووطنيته، وحرصه على التمسك بعقيدته، وتدينه وتراث وطنه الأصيل، وطقوسه الاجتماعية التي لم يتخل علنها لصالح عادات المجتمع الغربي.

ومع تميز مضمون الكتاب ولغته السلسلة، لم ينقصه الإخراج الفني المثالي، ليجمع بين حسنتين، الأولى دفعه الناس لطلب العلم، وتأكيد أهميته في حياة الإنسان، والاجتهاد في طلبه لتحقيق الغايات المنشودة، والثانية تميز الإخراج الفني الذي وضع الأفكار في قالب مميز وأبرزها بالشكل المطلوب، ما جعل الكتاب متكاملاً وجاذباً، شكلاً ومضموناً. وإن كانت المكتبة العربية تعج بالعديد من الكتب المهتمة بالسيرة الذاتية، والمذكرات الشخصية، إلا أن السيرة الذاتية التي سردها الدكتور عساس، تمثل نمطاً مختلفاً لما هو مطروح، وستثري المكتبة العربية، باعتبار أنها مكتوبة بروح طالب العلم الحريص على نفع غيره، للنهوض بالوطن.

وكل من عرف الدكتور عساس عن قرب وجلس معه، وتجاذب معه الحوار يجده صاحب خلق رفيع، كما أنه قامة أكاديمية فذة، كانت له إسهامات وبصمات ظاهرة على خارطة خدمة العلم وتطوير منظومة التعليم في المملكة، من خلال مبادراته التعليمية في جامعة أم القرى التي قفزت إلى مصاف الجامعات الرائدة إبان توليه رئاستها لثمان سنوات، كما أنه يتبوأ منزلة رفيعة في الوسط الثقافي، كونه أديباً وعاشقاً للأدب والشعر، ومثقفاً حصيفاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *