قضية

المشاهير يصعدون على أكتاف البسطاء

البلاد- مها العواودة

بعض المشاهير، بل سوادهم الأعظم ليس ذا علاقة بالمهنة الإعلامية في ظل غياب الضوابط، وجهل الأثر الذي يحدثه نشر خبر أو مادة أو التعليق على حدث أيا كان. هذا البعض يستمتع بجمع أكبر عدد من المتابعين؛ بغض النظر عن قيمة المحتوى، من باب الاستثمار بالسذاجة وشغل أوقات الفراغ للمنشغلين والمنشغلات بجهاز الجوال، الأمر الذي يؤدي لمشاكل اجتماعية جمة، لعل في مقدمتها تفاقم ظاهرة الطلاق الناجمة عن الاقتداء والتقليد ومحاكاة واقع افتراضي مصطنع لا يمت للواقع بصلة على الإطلاق.

وفي المقابل وفي اطار محاولة الحد من خطورة ما يحدث دعا مختصون إلى تفعيل التوعية الحقيقية لدى العروسين قبل الزواج، لافتين إلى أنها تشكل حجر الزاوية لأي علاقة كي تستمر بأمان . وحذروا من أن المفاهيم الزوجية في وقتنا الحاضر اختلفت اختلافا جذريا عما كانت عليه في السابق نظرا لمتغيرات جعلت المرأة تقوم بأدوار في حياتها لم تكن تقوم بها في السابق، مما أحدث نوعا من الإرباك وتضاربا في المواقف بين الزوجين، لذلك يرون ان التوعية تأتي هنا لتكون معينا للطرفين لتجاوز كل هذه المشاكل التي ينتج عنها الطلاق خصوصا في السنوات الأولى للزواج.

وحذورا في الوقت نفسه من محاولة بعض الأزواج والزوجات تقليد بعض المشاهير في حياتهم الوهمية المنشورة على حساباتهم، وعدم مراعاة الاختلاف في الوضع الاجتماعي، ما يتسبب في انهيار « العش الوردي « خصوصا وان بعض الازواج يركضون خلف وهم الحياة « البرستيج « لمشاهير التواصل ويقارنون حالاتهم بهم ما يتسبب في حدوث مشكلات تؤدي إلى الطلاق العاطفي والسكتة الزوجية والانفصال بين الزوجين وتشتت حياة الأسرة.


وكانت المستشارة النفسية عبير باكدم من أوائل من اشهروا الكارت الاحمر في وجه بعض مشاهير السوشيال ميديا واتهامهم بانهم يساهمون بشكل كبير جداً في معاناة أفراد المجتمع بتوجههم إلى مجتمع استهلاكي وتفاخري بالدرجة الأولى حيث أصبح هناك أفراد شغلهم الشاغل فقط متابعة وتقليد هؤلاء المشاهير الأمر الذي انعكس بشكل كبير على استقرار العديد من الأسر .
وتابعت من خلال تجربتها العملية « حدثني أحد ضحايا هذه الآفة أن زوجته تمسك بجوالها عند استيقاظها مباشرة وتغرق في متابعة الفشنستات تاركة خلفها الاهتمام بأطفالها وأمور الأسرة فنجد هنا أن سلوك بعض المتابعين اصبح جعلهم لا يستطيعون التحكم في سلوكياتهم»
وأضافت: من جانب آخر نرى أن بعض المشاهير ربطوا فكرة المشتريات والأناقة وعمليات التجميل بالثقة بالنفس فأصبح هناك قلة رضا عن الذات وشعور بالنقص لدى الكثير من الجنسين خاصة النساء كل ذلك له دور كبير جداً في حدوث الخلافات بين أفراد الأسرة لاسيما بين الوالدين وأبنائهم والزوجات وأزواجهم بسبب الرغبة في تقليد بعض المشاهير أو اقتناء بعض الأغراض باهظة الثمن مثلهم كذلك تطلعهم لتدليل غير حقيقي يحاول بعض المشاهير في تصويرهم لحياة زوجية وأسرية بشكل زائف وكأنه لايوجد أي اهتمامات أخرى لدى أحد الطرفين سوى تدليل الآخر وتلبية رغباته على حساب اي اولويات اخرى.
ودعت باكدم إلى عدم الانجراف وراء بعض المشاهير ومحاولة مقارنة أنفسهم وحياتهم بهم لأن تأثير ذلك على استقرار الكيان الأسري كبير جداً ويخلف تفكك وطلاق.

محاولة التقليد

من جانبه قال الدكتور أحمد المسند المختص في علم الاجتماع والمستشار الأسري والتربوي إن بعض مشاهير السوشيال ميديا لعبوا دورا كبيرا في تصوير ما هو غير حقيقي في حياته فانعكس سلبا على حياة كل من يحاول تقليده.
وأضاف: رأيت في أحد الفنادق فتاة جاءت وقالت إنها ستصور المكان لصديقتها لانها تريد عمل حفلة فيه.. وعندما بدأت بالتصوير كان المحتوى خلاف ما اتفقت فيه مع إدارة الفندق حيث صورت الأطباق وهي تتحدث بأنها مستمتعة في تناول الفطور في هذا الفندق الجميل وغيرها من العبارات التي تجذب الانتباه «.
مؤكدا أن مثل هذه الفئة تعيث فسادا في المجتمع داعيا في الوقت ذاته إلى عدم انجرار الشباب والشابات وراء كل مايقال أو يصور من قبل مشاهير السوشيال ميديا غير المتخصصين.
ويرى أن هذه الحالة أشبه بالتأهيل المضاد يعني استشارة غير المختص فتعود بالدمار والخراب.
وقال: كل شخص مشهور سيكون اكثر قيمة ورفعة في حال اختصر حديثه على تخصصه وامتنع بشكل واضح وصريح عن الحديث فيما لا يخصه ولا هو من اختصاصه».


سلوك الأفراد
وفي نفس السياق تقول عبير خياط أستاذ مساعد في قسم علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبدالعزيز : حسب كثير من الدراسات وصور الواقع فإن بعض لمشاهير الإعلام أثراً على سلوك الأفراد فقد أصبح هم البعض متابعتهم يوميا والآخر جعلها هدفا ثابتا للاطلاع والتواصل واتخاذ القدوة والمثل خاصة من المراهقين والشباب. كما أوضحت أن الخطورة تكمن في المقاطع المخالفة للقيم والأخلاق والتي تترك آثارأ سلبية على المتابعين خاصة لو كان المشهور ذا مهنة ومكانة اجتماعية مرموقة. وترى أن المشكلة تنتج عن الإدمان على هذه المواقع التي تؤدي إلى قوقعة الشباب على أنفسهم والانفصال عن محيط أسرتهم فيزداد الاهمال للوالدين والأطفال و المسؤلية عامة، لا رقابة ولا قيم. وختمت حديثها بالقول «تظل للمجتمع مسؤولية كبيرة لمحاربة السلوكيات السلبية».

صور خادعة
يرى الدكتور علي بن صديق الحكمي خبير نفسي وتربوي أن الصور التي ينشرها المشاهير عن حياتهم الخاصة، وتقديم صورة غير حقيقية أو مبالغ فيها قد يكون له تأثيرات سلبية على نظرة النشء وخاصة المراهقين من الجنسين لأنفسهم ونظرتهم للعالم من حولهم.
مؤكدا أن تلك الصورة تقدم بعض المشاهير وهم في أوضاع مرتب لها ولا تمثل حياتهم اليومية-سواء أكان الطعام التي يتناولونه، أو اللبس الذي يرتدونه أو المجوهرات والعطور أو السفر والسياحة وغيرها- لها تأثير سلبي على النشء وخاصة المراهقين والمراهقات، إذ أنهم قد يقومون بمقارنة وضعهم الحالي بوضع أولئك المشاهير، هذه المقارنة تؤدي لأن ينظر بعضهم لحياته نظرة سلبية، ففي الوقت الذي يكون ذلك المراهق أو المراهقة في منزله يستذكر دروسه، أو يساعد في أعمال ومسؤوليات المنزل، يشاهد ذلك المشهور وهو في مطعم فاخر أو مكان جميل، بل قد يدعوهم لتقليده دون الأخذ في الحسبان عمر المتلقي أو وضعه الاجتماعي أو المادي. واضاف: كما أن بعض المشاهير، وخاصة الإناث منهن، يقدمن صورة لمظهرهن الخارجي على أنها هي الصورة المثالية لاجراء عمليات تجميلية، أو الوصول لوزن معين وعندما تشاهدها الفتاة تشعر أن شكلها هي غير جميل مقارنة المشاهير ، مع أنها قد تكون جميلة جداً في الواقع، ووزنها ضمن الحدود المقبولة طبياً.

كما أشار إلى أن مجموعة من الدراسات وجدت أن بعض الفتيات قد يصبن بالاكتئاب نتيجة لتلك المقارنات وقد يؤدي كذلك لتبنيهن حمية قاسية وإصابتهن باضطرابات الأكل وسوء التغذية بل واللجوء لعمليات تجميل غير ضرورية وقاسية، يؤدي بعضها لمشكلات صحية خطيرة ومستديمة.
ومع هذه التأثيرات السلبية، إلا أن المشاهير قد يكون لهم تأثيرات إيجابية عدة إذا هم التزموا بتقديم قدوة حسنة للنشء وأسهموا في جهود المؤسسات الرسمية لتعزيز الصحة النفسية والبدنية لهم، وبتقديم المعلومات الموثوقة من مصادرها الصحيحة.
ويرى انه من الضروري قيام المؤسسات التربوية والإعلامية والاجتماعية بتقديم إرشادات للنشء حول كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي بشكل عام، وما يقدمه المشاهير بشكل خاص، ووضعه في إطاره الصحيح من خلال التفكير الواعي والواقعي، وكذلك تحفيز النشء على الامتنان للنعم التي حباهم الله إياها، وشكر كل من كان له فضل عليهم، كوطنهم وأسرهم ومعلميهم.

أدوات التأثير
و تقول الدكتورة جمانة الببيلي مدربة ومستشارة نفسية وتربوية أسرية مديرة مركز الإرشاد الجامعي بجامعة جدة :خلال الحقبة الأخيرة تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي حتى بلغت ذروتها ، فانتشرت كانتشار النار في الهشيم مابين الغث والسمين، ولكونها أداة للتواصل بين الأفراد والمجتمعات والعالم بأسره أصبحت إحدى أدوات التأثير ونقل الأفكار والآراء لقضية معينة في أرجاء العالم، وليس ذلك فحسب بل أضحت إحدى الركائز المهمة التي تعمل على تشكيل وعي المستخدمين والتأثير فيهم.

وتضيف : ولا غرابة في هذا فقد ظهرت بعض شخصيات مؤثرة تحظى بالمتابعة من الملايين من المستخدمين للسوشل ميديا ، وبإمكان هؤلاء أن يرفعوا درجة التأثير إلى حدٍ كبير فيما يتعلق بقضية ما، وخاصة فئة الشباب فتأثرت في أحيانٍ كثيرة عدد من القيم التي تسعى الأسرة إلى بنائها مما أدى لوجود نوع من الفوضى العارمة في مجال الاستشارات الأسرية والزوجية القائمة على الاجتهادات والخبرات الذاتية.

ولا يخفى على عاقل أنّ التخصصية والعلم هما المرتكز الأساسي في تقديم تلك الاستشارات وتغييب دورها قد يكون مُعول هدم لمصير أسرة بأكملها.
وتابعت قائلة: من المواقف المتكررة التي يمر بها المستشار الأسري أثناء مناقشة حالات الطلاق ومحاولة الإصلاح الأسري تمسك إحدى الزوجين بأفكار مضللة ومشوهة قد استقتها من المشاهير وهي بعيدة كل البعد عن المنهجية العلمية وتحقيق الاستقرار الأسري.
مشيرة إلى أن الحرص والوعي في مجتمعاتنا يُعدان مطلبا أساسيا أثناء عملية البحث عن مستشار ذي علم وتخصص يمتلك تكنيكات وسبر أغوار المشكلة من جوانبها المتعددة بعيداً عن الشهرة وعدد المتابعين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *