متابعات

أسواق ينبع.. تجربة فريدة في التجول مع التاريخ

جدة – البلاد

الزائر لمحافظة ينبع الواقعة على ساحل البحر الأحمر يستوقفه خلال جولته في أطرافها المترامية سوقها الشعبي أو ما يسمى “البلد” قديما والدكاكين الصغيرة التي تختزل قصة الحركة الاقتصادية في منطقة البحر الأحمر قديما.

كانت تلك الفتحات الصغيرة المتراصة مسرحا لحركة اقتصادية استمرت لعشرات السنين، جعلت من ينبع مقصدا للكثير من التجار والمتسوقين من مختلف المناطق الأخرى في الجزيرة العربية وخارجها, يعرضون فيه حصاد زراعتهم وما أنتجته أيديهم وما حاكته نسائهم من ملبوسات يساعدهم في نقلها دوابهم التي كانت رفيقهم في السفر وأغلى ما يملكون في ذلك الزمان.

وهو السوق المتفرد في ينبع الذي كانت تتباهى به قديما أمام الأسواق المنتشرة في مختلف بقاع العالم في تلك الحقبة.
كان محاطا بسور طيني مرتفع يحتضن في داخله مجموعة من الدكاكين الصغيرة، وله بوابة كبيرة يقف خلفها حارس مهمته فتح البوابة من بعد صلاة الفجر كل يوم لقوافل الجمالة الذين قطعوا المسافات لعرض بضائعهم حتى أذان المغرب ؛ لأنه بعد هذا الوقت يغلق السوق بابه إيذانا بإنتهاء نشاط السوق ومغادرة الباعة والمتسوقين له حتى نهار اليوم التالي.

أشغال يدوية
استعادت الأسواق التاريخية في ينبع البحر بريقها في هذا الوقت فالعلاقة بين الموانئ والأسواق لا يمكن فصلها إذ تم إعادة تصميم السوق معماريا كما اعتاد البحر على رؤيته بذات الروح العتيقة، وبأبواب الخشب ذات الصرير عند حركة الفتح والإغلاق.
وفي جولة بهذه الأسواق مع التاريخ يسترجع الزمن ذاكرة المكان من كبار السن، وبقايا الخشب المتناثرة في السوق كإرث توارثته الأجيال في المكان وهي دلالات ظاهرة لمعرفة التفاصيل الدقيقة للسوق القديمة في ينبع، فكل شيء يستحق التأمل بما في ذلك التجاعيد على وجوه كبار الباعة أو على أيادي النساء الكبيرات اللاتي يبعن في السوق أشغالهم اليدوية.

رسومات هندسية
كانت إعادة بناء ينبع التاريخية أكبر بكثير من مجرد رسومات هندسية، وميزانية مالية عالية، بل هو نوع من إعادة بناء موروث أجداد، وزرعه في وعي الأجيال، وتحويل الصخر إلى بنك ذاكرة بشرية تحفظ ملفات التاريخ من التلف، وأيضا إعادة فتح نوافذ رزق كانت موجودة فيها منذ سنوات بعيدة.
عاشت الأسواق العتيقة في ينبع كما كانت في الماضي وتحقق «ينبع التاريخية «وقتها القياسي عند اقتران المساء مع البحر فمجاورته للبحر (بينهما مسافة عشرات الأمتار فقط) تجعل الليل حاضناً لنسمات برد معتدل، ولسعة شتاء غير قارص، مع تناول مشروبات الشتاء الساخنة لإزاحة الشعور بالبرد، ثم بقية الوقت للتأمل إذا كنت مُنفرداً أو للسمر إذا كنت مُصطحباً.

 

سوق الليل
كما يحظى سوق الليل في ينبع بقيمة تاريخية وتراثية كبيرة، أهّلته ليكون أحد اهم أماكن الزيارة في محافظة ينبع، التي أدرجتها الهيئة السعودية للسياحة ضمن أكثر من 17 وجهة في موسم «شتاء السعودية» الذي أطلقته الهيئة مؤخرا، ويستمر حتى نهاية مارس المقبل. ويعد سوق الليل بـ»تاريخية ينبع» من أقدم الأسواق على ساحل البحر الأحمر، إذ يمتد تاريخه إلى مئات السنين، منذ أن كان وجهة رئيسية للبحارة والتجار القادمين من أفريقيا إلى ميناء ينبع القديم، ليشهد تبادل السلع وعقد الصفقات التجارية، وتوفير مستلزمات الصيادين، الذين كانوا يقصدونه ليلاً قبل انطلاقهم في رحلاتهم بالبحر، ليصبح اسمه فيما بعد بـ»سوق الليل».

واجهة حضارية
ويعد السوق واجهة حضارية وجزءًا من الهوية الثقافية لينبع لتميزه بمنتجات قد لا تتوفر في أسواق أخرى، سواء داخل ينبع أو بالمناطق المحيطة بها، مثل السمك الجاف والبن والهيل والحناء والملوخية والتمر والرطب وغيرها. وشهد سوق الليل بينبع في السنوات الأخيرة العديد من المشاريع التأهيلية التي أعادت إليه رونقه، وأعادته مرة أخرى للحياة بعد توقف قرابة نصف قرن، حيث عادت الحركة التجارية في دكاكينه العريقة، بعد ترميمه واستعادة هويته التراثية الأصيلة، وذلك في إطار إعادة تأهيل حي الصور، أو ما يعرف بالمنطقة التاريخية، التي تفوح بعبق التراث الينبعي، وتتزين مبانيها بطراز البناء التقليدي الساحلي، لتصبح المنطقة من أكثر الوجهات جذبا للسياح من داخل ينبع وخارجها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *