قرر نادي النصر استنساخ التجربة الهلالية بالتعاقد مع المدرب البرتغالي جورجي جيسوس. تلك الرغبة قد تفتح باب التساؤلات أكثر مما يبعث على الاطمئنان. فالرجل، رغم بدايته القوية مع الهلال في الموسم الماضي، انتهى به المطاف على إيقاع مختلف تمامًا، مليء بالتذبذب والخيبات،
الرباعية التاريخية التي حققها الهلال في الموسم الماضي لا تُنسب لجيسوس وحده، بل هي ثمرة تراكمات إدارية وفنية وشخصية ناد متجذر، يعرف طريق البطولات. لقد حضر الهلال بشخصيته، وغابت في المقابل مرونة جيسوس الفنية؛ حين احتاج الفريق إلى حلول خارج الصندوق. فبعد سلسلة تفوق استمرت لسنوات، تكبّد الفريق خسارة مؤلمة أمام الاتحاد، تلتها هزائم صادمة أمام الأهلي والنصر، وكأن المدرب كشف أوراقه مبكرًا فعرف الجميع كيف يتعامل معها. الأزمة لم تكن فنية فقط، بل بدنية أيضًا. فقد أرهق جيسوس لاعبيه بخيارات الضغط العالي التي استنزفت طاقتهم، ما جعل الإصابات تتساقط كأوراق الخريف، وأفقدت الهلال أسلحته الأهم في لحظات الحسم. كانت النتيجة الخروج من الدوري، وكأس الملك، والنخبة الآسيوية، رغم أن الطريق كان معبّدًا نحو الذهب،
وبينما لا يزال صدى تلك التجربة ماثلًا، يقرر النصر اليوم خوض نفس المغامرة، متناسيًا أن ظروفه تختلف عن الهلال؛ فلا هو يملك ذات الاستقرار الإداري، ولا الخبرة الممتدة في الحفاظ على هوية الفريق وسط العواصف،
صحيح أن جيسوس اسم كبير وصاحب سجل زاخر، لكنّه مدرب لا يؤمن كثيرًا بالتكيّف مع معطيات المباريات، ويعتمد على قوالب تكتيكية جامدة، وهو ما أضر بالهلال سابقًا، وقد يكلّف النصر الكثير ما لم تكن هناك مراجعات ومساءلات فنية مستمرة،
لقد أثبتت التجربة أن البطولات لا تُصنع بأسماء المدربين فقط، بل بروح المنظومة واتزان القرار. وحين حضرت شخصية الهلال في كأس العالم للأندية، حقق الفريق انتصارات خالدة، وكان على وشك كتابة التاريخ؛ لولا صافرة هولندية أوقفت زحفه نحو المجد.
اليوم، يقف النصر أمام مفترق طرق؛ إما أن يتعلّم من دروس الهلال، ويضع يده على مكامن الخلل في فكر جيسوس قبل أن يتسع الخرق، أو يكرر التجربة بلون مختلف، حيث قد تكون العواقب أشد وقعًا. فالمسألة لا تُقاس بالبدايات المبشرة، بل بالنهايات المتماسكة.
النصر يقلد الهلال
