مقالات الكتاب

متلازمة ما بعد الإجازة

تُعدّ متلازمة ما بعد الإجازة ظاهرة نفسية وسلوكية، يمر بها كثير من الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس، وحتى الأهالي عند الانتقال من أجواء الراحة والحرية في الإجازة إلى أجواء الالتزام في الدراسة أو العمل. وعلى الرغم من أنها ليست مرضاً بالمعنى الطبي، فإنها تُلقي بظلالها على الفرد في صورة أعراض جسدية ونفسية؛ مثل الإرهاق والخمول، واضطرابات النوم، وتقلبات المزاج، والشعور بالقلق أو التوتر، إضافة إلى ضعف التركيز وتراجع الحافز. هذه الأعراض لا تقف عند حدود الفرد فحسب، بل تمتد لتؤثر على الأداء الأكاديمي والمهني، بل وعلى أجواء الأسرة والمدرسة.
من أكثر الفئات التي تتأثر بهذه المتلازمة الطلاب والطالبات، ذلك عندما يواجهون صعوبة في العودة إلى الانضباط بعد أيام من اللهو والراحة، في حين يتحمل أعضاء هيئة التدريس ضغطاً يتمثل في جداول مزدحمة والتحضير للمقررات والالتزامات البحثية. أما الأهالي فيتحملون مسؤولية إعادة تنظيم حياة أبنائهم اليومية، بدءاً من مواعيد النوم والاستيقاظ وصولاً إلى متابعتهم دراسياً وسلوكياً.
وتعزى أسباب هذه الظاهرة إلى عدة عوامل؛ أبرزها الانتقال المفاجئ من أجواء مرنة إلى روتين صارم، وتراكم المهام المؤجلة خلال فترة الانقطاع، فضلاً عن غياب التخطيط النفسي والذهني المسبق. ونتيجة لذلك، يشعر الكثيرون بأن العودة إلى مقاعد الدراسة أو العمل أشبه بصدمة مفاجئة تضعف الحافز وتزيد من التوتر.
ومع ذلك، فإن متلازمة ما بعد الإجازة ليست عائقاً دائماً، بل يمكن النظر إليها على أنها فرصة للتجديد إذا ما وُوجهت بالوعي والاستعداد. ولعل أبرز الإستراتيجيات التي ينصح بها المتخصصون تبدأ بالتهيئة المبكرة، وذلك عبر العودة التدريجية إلى النوم والاستيقاظ المبكر قبل أيام من بدء الدراسة. كما أن التنظيم العملي من خلال وضع خطط واضحة وتقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة، يساعد على تخفيف الضغط. كذلك فإن ممارسة النشاط البدني اليومي، والالتزام بنظام غذائي متوازن، يساهمان في رفع مستويات الطاقة وتحسين المزاج.
أما على الصعيد النفسي والتربوي، فيبقى الحوار الأسري محورياً، حيث يحتاج الطلاب إلى التعبير عن مشاعرهم تجاه العودة، والشعور بأن لديهم دعماً من أسرهم ومعلميهم. كما أن خلق بيئة دراسية إيجابية سواء في البيت أو المدرسة يساعد على تعزيز الدافعية. ومن المفيد أيضاً إدخال بعض الأنشطة الممتعة أو الهوايات ضمن الجدول الأسبوعي، حتى يشعر الطالب أن العودة لا تعني فقدان المتعة بالكامل.
إن مواجهة هذه المتلازمة ليست مجرد علاج لحالة عابرة من الإرهاق، بل هي فرصة تربوية مهمة لتعليم الأبناء كيفية التوازن بين متطلبات الحياة المختلفة. فالإجازة محطة للراحة، والعودة بداية جديدة تحمل معها إمكانات للتجديد والنمو. وكلما كان الفرد أكثر وعياً بطبيعة هذه المرحلة، كان أكثر قدرة على تحويلها من عبء نفسي إلى جسر نحو الأهداف والطموحات.
وبذلك، يصبح إدراك الطلاب والطالبات وأعضاء هيئة التدريس والأهالي لطبيعة هذه الظاهرة، واستعدادهم لها بخطوات عملية، هو المفتاح لتحويلها من عائق محتمل إلى فرصة لانطلاقة جديدة مليئة بالحافز والطاقة. فالعودة ليست نهاية المتعة، بل بداية مسار جديد نحو الإنجاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *