مقالات الكتاب

العدل

إذا صح أن مصمم هيكل الدراجة الحديدي الضخم المنصوب في ميدان الدراجة بجدة؛ قصد إلى تصوير حجم الدراجة، التي تناسب أبينا آدم- عليه السلام- وطوله ستون ذراعًا؛ فقد غفل المصمم عن تركيب مقعد مناسب لأمنا حواء- عليها السلام- على نفس الدراجة. وهي على كل حال إشاعة. لقد كان آخرعهد البشر بأبيهم آدم، أن نوحًا- عليه السلام- لما ملأ السفينة الكبرى بأصناف المخلوقات، قال المفسرون: إنه أمر بوضع جثمان سيدنا آدم؛ ليكون حاجزًا بين الرجال والنساء على ظهر السفينة. ولم يذكر المفسرون- حسب علمي- سيرة جثمان حواء. ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقة بين الجنسين تتراوح بين المودة وبين الإهمال. لكن أعجبني مفكر معاصر قال: إن من أهمية المرأة في العالم أن الرجل يبقى منذ ولادته في حضنها نحو أربع سنوات، ثم يعود إلى حضنها في شبابه، فلا يفرق بينهما إلا الموت أو الطلاق.
وما رأيت أفضل من دفاع عن المرأة، مثل قصة الآنسة سلطانة الزبيدية. وذكر الأتاذ طارق محمد سكلوع العمودي في كتيبه عن النساء الحضرميات، أنها توفيت عام 834 هـ. وما أحفظه عنها، لكن نسيت مصدره، أنها استقبلت قافلة حج عابرة على قريتها في غياب والدها؛ فقامت بإكرام القافلة، كما لو كان أبوها حاضرًا. فأراد أحد السادة ممازحتها فقال شعرًا:
ياما اسفهش ما بدا بكرة تماري جمال.
يقصد أن الناقة لا تستطيع أن تسابق الجمل. فقالت لا أرد عليك توقيرًا لوالدك الكبير السيد عبد الرحمن السقاف. فسمعها والده، فرفع صوته قائلًا: قد أذنت لك، ردي عليه. فقالت للتو:
الحمل بالحمل والزايد لبن والعيال.
أي أننا مسؤولات مكلفات بالحسنة والسيئة مثل الرجال، ونزيد عليكم بالحمل والرضاعة.
من فضل الله، أننا نحن معشر الرجال قوامون على النساء، لكننا بالغنا في التضييق على المرأة. وكمثال على ذلك ما ذكره السيد علوي بن أبي بكر الحبشي في كتابه “الاستخلاف وعمارة الأرض بشرعة الله الخاتمة ومنهاجه” أنه لم يؤثر أن النبي- صلى الله عليه وسلم- عزل بين صفوف الرجال والنساء بحاجز أو جدار، ولم يفعل ذلك الصحابة- رضوان الله عليهم- ولا من بعدهم ولا في مساجد المسلمين عبر العصور. وأورد قصة المرأة الحسناء التي لفتت أنظار بعض المصلين، ونزل فيهم قرآن، ومع ذلك لم يوجه النبي- صلى الله عليه وسلم- بإقامة حاجز بين الرجال والنساء. وذكر السيد الحبشي تفاصيل لا يتسع المجال لها في عمود صحفي.
إن الطرفين مأموران بالعدل في التعامل. والرجل والمرأة مسؤولان يوم الدين عن كل ذرة من خير أو شر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *