ضيف ثقيل يطرق أبواب الروح في أكثر اللحظات. إنه ليس مجرد تردد ضيف عابر، بل امتحان داخلي يُربك العقول ويثقل القلوب. في تلك اللحظات، يشعر الأفراد وكأنهم يسيرون في متاهة بلا مخرج واضح، حيث كل خيار يحمل احتمالًا للفقد، كما يحمل احتمالًا للنجاة. إنها حيرة الاحتمالات.
حين تطول الحيرة، يعيش الأفراد في حالة من الاستنزاف النفسي. إنهم يقضون ساعات طويلة في التفكير، يعودون إلى نفس النقطة مرارًا وتكرارًا، وكأن الدائرة لا تنكسر أبدًا، ولا مخرج منها، ويظلون يراقبون حياتهم وهي تتأخر بينما يتقدم الزمن ويسبقهم، وما يجعل الألم أشدّ، هو إدراكهم أن ترددهم لا يرهق عقولهم فقط، بل يترك أثره على أجسادهم في صور مختلفة، كأرق وتوتر وتشتت.
وفي عمق هذه التجربة، يتساءل الأفراد باستمرار: ماذا لو اخترنا الطريق الخطأ؟ ماذا لو خسرنا ما لا يمكن استعادته؟ هذه الأسئلة المقلقة تكبر مثل صدى داخلي يعلو مع كل يوم جديد، حتى تغدو الحيرة سجنًا مغلقًا بأبواب من الاحتمالات. وفي مقابل ذلك، يبدو العالم الخارجي غير متفهم ويطالبهم بالحسم، وكأن القرار لا يتجاوز ضغطة زر، بينما هم يدركون أن كل اختيار قد يغيّر مصيرًا بأكمله.
لكن، وبالرغم من قسوة هذه التجربة، إلا أنها تفتح نافذة مختلفة، ففي لحظة الصمت الطويل ، يتعلم الأفراد الإنصات إلى أنفسهم والاستماع الى أصواتهم الداخلية، التي غطاها ضجيج الحياة لفترة طويلة هناك، في ذلك التوقف المؤلم، يكتشفون حقائق عن ذواتهم لم يكونوا ليكتشفوها؛ لولا هذه الحيرة، فهي فرصة للوعي وفرصة للتمييز بين ما يفرضه الاحتمال، وما يحتاجه الشخص حقًا لاتخاذ القرار المناسب.
ويجب علينا أن ندرك كامل الإدراك بأن هذه الحيرة وسيول الاحتمالات ليست نهاية الطريق، بل هو معبر لا بد من عبوره بالرغم من أن هذه الحيرة تترك في الروح ندوبًا من القلق، لكنها أيضًا تصقل القوة الداخلية، وتمنحنا البصيرة، وإذا تجاوزناها نخرج منها أكثر صلابة وأكثر وعيًا وثقةً بخياراتنا؛ فالحيرة مهما بدت خانقة قد تكون بداية وضوح لم يكن ليولد إلا من رحم الألم.
fatimah_nahar@