منذ اللحظة التي جلس فيها سيموني إنزاغي على مقعد تدريب الهلال، لم يسلم من الانتقادات. واللافت أن هذه الانتقادات لم تقتصر على لحظات التعثر، بل كانت حاضرة حتى في الانتصارات، وكأنها مهيأة مسبقًا؛ فمرة يُقال: إنه مدرب “دفاعي” لا يليق بأسلوب الهلال، ومرة أخرى يُتهم بالمبالغة في الهجوم، وبين هذا وذاك تتكرر العبارات الجاهزة:” إنزاغي لا يناسب الهلال”. وما يثير الاستغراب أن النقد أصبح متناقضًا إلى درجة تُفقده المصداقية؛ فإذا لعب الهلال بانضباط دفاعي، يُوصف إنزاغي بأنه “خواف”، وإذا اندفع الفريق هجوميًا يُقال إنه “متهور”، وفي النهاية، يظهر وكأن الهدف ليس قراءة فنية، بل مجرد البحث عن ثغرة لتصعيد العنوان وإثارة الجدل. وهذه السطحية تسيء إلى المشهد الإعلامي قبل أن تسيء للمدرب .
إنزاغي ليس مدربًا عابرًا؛ فهو الذي قاد إنتر ميلان إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، وأطاح بعمالقة أوروبيين، وواجه مانشستر سيتي بندية، ومدرب بهذه التجربة وهذه المدرسة التكتيكية لا يمكن اختزاله في عبارة فضفاضة مثل “لا يناسب الهلال” من المؤكد أن الهلال نادٍ عالمي، والمدرب كذلك، وبالتالي من الظلم أن يتم التعامل مع التجربة بهذا القدر من التبسيط ، وما يتجاهله الكثيرون أن أي مدرب صاحب منهجية واضحة وفلسفة فنية خاصة؛ يحتاج إلى وقت كافٍ لترسيخ طريقته، وتطويع اللاعبين لها؛ لأن كرة القدم الحديثة لا تقوم على التعليمات اللحظية فقط، بل على أنماط لعب متكاملة تحتاج إلى تدريبات، وتكرار، وتدرج في الأداء؛ فأي مدرب كبير يمتلك شخصية مثل إنزاغي لم يأتِ ليكرر نسخة من مدرب سابق، بل ليطبق فكره الخاص وهذا التحول لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل يمر بمراحل طبيعية من الصعود والهبوط حتى تكتمل المنظومة ، وتجاهل هذه الحقيقة، والبحث عن نتائج فورية فقط، هو اختزال مُخلّ لطبيعة العمل الفني .
النقد السطحي محليًا يتجاهل أن أكبر المدربين عالميًا وُصفوا بنفس العبارات المتناقضة، فكارلو أنشيلوتي، اتُّهم مرارًا بأنه “محافظ”، لكنه أصبح أكثر من توّج بدوري الأبطال في التاريخ ، ودييغو سيميوني، ظل يُوصف بأنه “مدافع ممل”، لكنه صنع من أتلتيكو مدريد قوة أوروبية لا يستهان بها ، وزيدان، قيل إنه يعتمد على “فرديات النجوم”، لكنه كتب التاريخ بثلاثة ألقاب متتالية في دوري الأبطال. هذه الأمثلة تكشف أن النجاح لا يُقاس بإرضاء ذائقة محلل هنا أو إعلامي هناك، بل بقدرة المدرب على التكيف وتحقيق النتائج وفق فلسفته الخاصة .
الهلال يستحق نقدًا يليق بتاريخه وجماهيره، لا اجترار عبارات متناقضة تُفرغ النقاش من قيمته؛ فالنقد الحقيقي يجب أن يشرح، ويحلل، ويكشف الخيارات الفنية، لا أن يتوقف عند شعار “دفاعي” أو “متهور “.. إنزاغي مدرب عالمي، والهلال نادٍ عالمي، والجماهير تستحق خطابًا إعلاميًا يرتقي إلى هذا المستوى.
إنزاغي والهلال.. حين يتحول النقد إلى سطحية
