في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، تظل نمطية التفكير واحدة من أكثر العوائق التي تحدّ من الإبداع والنمو الإنساني. فحين يعتاد العقل على تكرار نفس الأنماط في التحليل واتخاذ القرار، يصبح أسيرًا لما يعرفه فقط، غير قادر على تجاوز حدوده أو رؤية إمكانات جديدة. هذه النمطية قد تمنح شعورًا بالأمان المؤقت، لكنها في الحقيقة تسرق من الإنسان قدرته على الاكتشاف والتجدد.
تنشأ أنماط التفكير غالبًا من التربية، والتعليم، والمجتمع الذي يكرّس مفاهيم معينة عن”الصواب” و”الخطأ”؛ فالكثير من الناس يتعلمون منذ الصغر أن التفكير المختلف يعني التمرد، وأن اتباع السائد هو الطريق الأسلم. ومع الوقت، يتحول هذا الإطار إلى قيدٍ داخلي يمنعهم من طرح الأسئلة أو مراجعة المعتقدات، حتى لو كانت تلك المعتقدات لم تعد تخدمهم.
إن أخطر ما في النمطية أنها تُلبس القديم ثوب الحقيقة المطلقة. فحين يواجه الإنسان فكرة جديدة، يبدأ ذهنه بمقارنتها بما يعرفه مسبقًا بدلاً أن يتأملها بذهن منفتح. وهكذا يُغلق الباب أمام الابتكار، وتُقتل الأفكار في مهدها. بينما التقدم الحقيقي لا يحدث إلا حين يُكسر هذا القيد، ويُسمح للعقل أن يجرب، ويُخطئ، ويعيد المحاولة.
كسر نمطية التفكير لا يعني رفض كل ما هو مألوف، بل يعني التحرر من التلقائية الذهنية التي تجعلنا نكرر دون وعي. هو دعوة لأن نفكر ببطء، أن نعيد النظر في أحكامنا، وأن نسأل “لماذا؟” قبل أن نقول”نعم” أو”لا”. بهذا الوعي، يتحول التفكير من عادة ميكانيكية إلى عملية حية تُنمّي الفهم وتُعمّق البصيرة.
في النهاية، لا يُقاس ذكاء الإنسان بكمّ المعلومات التي يعرفها، بل بقدرته على رؤية الأمور من زوايا مختلفة. ومن يتعلم كسر أنماطه الفكرية، يتعلم في الحقيقة كيف يعيش بمرونة ووعي. فالحياة لا تكافئ من يحفظ القوالب، بل من يجرؤ على إعادة تشكيلها.
fatimah_nahar@