السيرة الذاتية للرياضي ليست مجرد حكاية عن مجدٍ مضى، أو بطولاتٍ تحققت، بل هي مرآة تعكس رحلة الإنسان خلف الأضواء؛ رحلة الصبر، والفشل، والإصرار، وإعادة النهوض، وكتابتها للرياضيين ليست ترفًا ثقافيًا، بل ضرورة توثيقية وتربوية تساهم في بناء وعي أجيالٍ جديدة من اللاعبين الشباب، وتمنحهم خارطة طريق واقعية؛ لما ينتظرهم داخل وخارج الملاعب.
من يقرأ سيرة”السير أليكس فيرغسون” بجزأيها مثلًا لا يرى فقط مدربًا صنع أمجاد مانشستر يونايتد، بل قائدًا عرف كيف يبني منظومة، ويقود أفرادًا مختلفي الطباع نحو هدفٍ واحد، يتعلّم القارئ من طريقته في إدارة النجوم، ومن فلسفته في ضبط النفس والقرارات الصعبة دروسًا في القيادة والإدارة، يمكن تطبيقها في مؤسسات الأعمال تمامًا كما في غرف الملابس؛ فالانتصار في الرياضة- كما في الإدارة- ليس وليد الموهبة فقط، بل ثمرة انضباط طويل الأمد وقراءة دقيقة للنفسيات والظروف .
ورغم هذا الوعي في العالم الغربي، يغيب التوثيق الجاد للسير الذاتية في الساحة الرياضية السعودية، وخصوصًا في كرة القدم؛حيث ينتهي صيت أجيال من النجوم الذين صنعوا الفرح الوطني في الثمانينات والتسعينات لم يكتبوا قصصهم بعد، أو لم تُكتب عنهم من منظورٍ إنساني واحترافي يوثّق التجربة بعمقها النفسي والاجتماعي، والنتيجة أن كثيرًا من اللاعبين الشباب اليوم يعرفون أسماء هؤلاء الرموز، لكنهم لا يعرفون كيف عاشوا، كيف تعلّقوا بحلمهم، ولا كيف واجهوا الصعوبات التي سبقت أضواء الملاعب؛ فقد غاب عن المشهد كتاب أو فيلم أو مذكرات يمكن أن تكون مصدر إلهام وتعلّم .
إن تحويل هذه السير إلى كتب، أو أفلام أو وثائقيات، كما حدث مع أعمال مثل (The Last Dance ) مايكل جوردان، يضيف بُعدًا بصريًا ووجدانيًا يجعل الحكاية أكثر تأثيرًا وخلودًا؛ فالرياضة تختزل صراعات الحياة في مساحةٍ محدودة من الزمن والمكان، وتتيح لنا رؤية الإنسان في لحظات قوته وضعفه، نجاحه وسقوطه.
من هنا، تصبح كتابة السير الشخصية للرياضيين السعوديين عملاً وطنيًا وثقافيًا بامتياز، لا يقتصر على التوثيق؛ بل يمتد إلى الإلهام وبناء القدوة؛ فحين نقرأ عن فيرغسون، أو جوردان، تصبح لدينا الرغبة في أن نقرأ عن يوسف الثنيان، أو ماجد عبدالله، أو أحمد جميل، وخليل الزياني، وعن الدروس الممكنة في القيادة، والانضباط، والوفاء، والعمل الجماعي. إنها مدرسة الحياة في قمصانٍ رياضية.
قصص الرياضيين العظماء.. حين تتحوّل السيرة إلى مدرسة
