البلاد (دمشق)
شكّل توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على قانون تفويض الدفاع الوطني محطة سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، ليس فقط لكونه يتضمن أضخم موازنة سنوية لوزارة الدفاع الأمريكية في التاريخ بأكثر من 900 مليار دولار، بل لما حمله من تحول جوهري في السياسة الأمريكية تجاه سوريا عبر إلغاء “قانون قيصر” الذي فرض عقوبات مشددة على دمشق منذ عام 2019.
وجاء توقيع ترمب على القانون الجديد بعد مصادقة الكونغرس عليه، بعيداً عن كاميرات الإعلام وعلى خلاف ما كان معلناً سابقاً، في خطوة عكست حساسية القرار وأبعاده السياسية، ولا سيما في ما يتعلق بالتحول في مقاربة واشنطن للملف السوري.
ويحدد القانون الجديد أولويات الدفاع عن الولايات المتحدة ويلزم البيت الأبيض بتقديم تقارير دورية للكونغرس لمدة أربع سنوات تتناول أداء الحكومة السورية في مجالات مكافحة الإرهاب والمخدرات وحماية الأقليات والعمل على تحقيق السلام مع دول الجوار، كما ينص القانون على صلاحية الرئيس الأميركي بإقرار فرض عقوبات محددة على سوريا في حال جاءت هذه التقارير سلبية لفترتين متتاليتين، بما يعكس توجهاً جديداً يقوم على الرقابة المشروطة بدلاً من العقوبات الشاملة.
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي قد صوّت لصالح قانون موازنة وزارة الدفاع لعام 2026، متضمناً بنداً يقضي بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر”، قبل إحالة القانون إلى الرئيس ترمب للتوقيع عليه ليصبح نافذاً، فيما سبق ذلك تصويت مجلس النواب الأمريكي بالموافقة على الإلغاء، في مؤشر واضح على توافق مؤسساتي داخل الولايات المتحدة على إعادة النظر في السياسة العقابية تجاه دمشق. ورحّبت الحكومة السورية بقرار إلغاء “قانون قيصر”، معتبرة أنه يشكل خطوة مفصلية من شأنها الإسهام في تعافي الاقتصاد السوري وفتح آفاق جديدة لعودة الاستثمارات والمساعدات الأجنبية دعماً للحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع في مرحلة انتقالية، تتطلب دعماً سياسياً واقتصادياً واسعاً.
وجاء هذا التحول نتيجة جهود دبلوماسية نشطة قادتها السعودية للدعوة إلى رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وقد تكللت هذه الجهود بتوقيع الرئيس الأمريكي قرار إلغاء “قانون قيصر”، ويُعد هذا القرار ثمرة مباشرة لمساعي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- التي بدأت بتلبية الرئيس الأمريكي لطلب سموه رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا خلال زيارته للمملكة في شهر مايو الماضي واستمرت حتى إقرار الإلغاء ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026. وعبرت المملكة عن امتنانها وتقديرها للدور الإيجابي الكبير الذي قام به الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في هذا المسار، بدءاً من إعلانه رفع العقوبات عن سوريا خلال زيارته للمملكة وصولاً إلى توقيعه القانون الذي تضمن الإلغاء الرسمي لقانون قيصر، مؤكدة أن هذه الخطوة تعكس تفهماً أميركياً لأهمية دعم استقرار سوريا وتعافي اقتصادها.
وأكدت المملكة أن قرار إلغاء “قانون قيصر” يفرض مسؤولية وطنية على جميع المكونات السورية للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية من خلال تجنب الخلافات الداخلية وتوحيد الخطاب الوطني وتركيز الجهود على بناء الدولة السورية وتعزيز وحدتها وسيادتها بما يتطلب تعاوناً وثيقاً من مختلف أطياف المجتمع السوري لتحقيق التنمية الشاملة وترسيخ التماسك المجتمعي. ويمثل رفع العقوبات وإلغاء “قانون قيصر” لحظة مفصلية في تاريخ سوريا الحديث لما له من آثار إيجابية متوقعة على مختلف جوانب الاقتصاد السوري الأمر الذي يدعو الشعب السوري إلى التفاؤل بمستقبل واعد ودعم الحكومة السورية في جهودها الرامية إلى النهوض بالدولة مع إدراك ما تتطلبه المرحلة المقبلة من صبر وعمل متواصل.
ودعمت المملكة الرئيس السوري أحمد الشرع منذ الأيام الأولى لتشكيل حكومته حيث كانت أول طائرة تهبط في سوريا بعد سقوط نظام الأسد طائرة سعودية أعقبها وصول وفد سعودي إلى دمشق في ديسمبر 2024 ثم زيارة سمو وزير الخارجية إلى سوريا في يناير 2025 تأكيداً لدعم المملكة لسوريا وشعبها الشقيق، كما شكّلت استضافة المملكة للقاء الذي جمع الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب حدثاً تاريخياً كونه أول لقاء أمريكي–سوري على مستوى القيادة منذ نحو خمسة وعشرين عاماً بما يعكس حرص المملكة على دعم الحكومة السورية الجديدة وتعزيز علاقات سوريا مع القوى الدولية المؤثرة والمساهمة في إعادة دمجها في محيطها الإقليمي والدولي.
