بدأ مصطلح النسويات يتردّد في مجتمعنا في السنوات الأخيرة، وهو مصطلح يُعدّ جديدًا على بيئتنا الاجتماعية، بل غريبًا عنها في بعض تفسيراته. وقد التبس معناه على كثيرين؛ بسبب تعدد استخداماته واختلاف الخطابات التي تتبناه.
وببحثٍ موجز في مفهوم هذا المصطلح ونشأته، نجد أن انطلاقته كانت في أوروبا منذ القرن التاسع عشر، حين كانت المرأة هناك مسلوبة الحقوق، فظهرت مطالبات مشروعة شملت حق التعليم، والتملك، والعمل، وغيرها من الحقوق الأساسية. ثم تطورت هذه الحركة عبر مراحل تاريخية عُرفت بـ الموجات النسوية، وتحول التيار النسوي إلى خطاب فكري واجتماعي ارتفعت حدّته بين الإيجاب والسلب، حتى وصل إلى المجتمعات العربية، ومنها المجتمع الخليجي.
والمجتمع الخليجي– وعلى رأسه المجتمع السعودي– مجتمع تشكّلت فيه الأسرة المتماسكة؛ بوصفها ركيزة أساسية، وقيمة اجتماعية وأدبية عليا. ومع ذلك، لم يكن بمنأى عن وصول الخطاب النسوي إليه. وقبل الاستنكار أو التأييد لهذا الصوت، يجدر بنا أن نتوقف عند مكانة المرأة في الإسلام؛ تلك المكانة الرفيعة التي لم تنلها المرأة في أي منظومة إنسانية، كما نالتها في الإسلام.
فالمرأة قبل بزوغ فجر الإسلام– وفي معظم الحضارات – كانت تُعامل باعتبارها متاعًا أو تابعة، لا تملك رأيًا ولا قرارًا، وتُرهق بالأعمال الشاقة، إلا فئة محدودة من علية القوم. وحين أشرقت شمس الإسلام، أشرقت معها حقوقٌ منسية، ونزلت الآيات الكريمة والأحكام العادلة التي أنصفت المرأة وكرّمت دورها، وبرزت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين نماذج نسائية عظيمة، وفي مقدمتهن أمهات المؤمنين؛ كخديجة وعائشة رضي الله عنهما.
وتوالت أدوار المرأة في المجتمع الإسلامي، بوصفها أمًا وزوجة وبنتًا وأختًا، حتى حفظ لنا التاريخ – قديمه وحديثه – أسماء نساءٍ تقف أمام منجزاتهن الإنسانية والعلمية والأدبية أممٌ بأكملها احترامًا وتقديرًا. ولو أمعنّا النظر في المجتمع السعودي، لعجزت الصفحات عن حصر أسماء النساء البارزات في شتى المجالات على المستوى المحلي والعالمي.
والمجتمع السعودي – في مجمله – مجتمع يقدّر المرأة، ويحترمها، ويحفظ حقوقها، ويدافع عنها، ولا يشذ عن ذلك إلا أصحاب النفوس المريضة، وهؤلاء وُجدوا في كل زمان ومكان. ومن يسيء إلى المرأة أو يظلمها؛ إنما يخالف شرع الله قبل أن يخالف المجتمع، مع التأكيد على أن هذا لا يعني أن كل النساء على صواب دائمًا.
فهناك من تتجاوز حدود الأسرة والانتماء والآداب العامة بدعوى التحرر من قيود متوهمة، وترفع صوتها رافضة لكل دور أب أو زوج أو أخ عادل ومحترم. ومن هنا، فإن المطالبة برفع مظلمة حقيقية أمر مشروع، لكن مكانه الأطر النظامية والقانونية، لا إثارة البلبلة أو تعميم الاتهام، مع ضرورة مراعاة خصوصية الأسرة وسمعتها، خاصة إذا كان التجاوز فرديًا لا ظاهرة عامة.
ومن المهم التفريق بين مفهوم النسوية في جانبيه الإيجابي والسلبي؛ فالنساء اللاتي ينهضن بأنفسهن، ويدفعن الظلم عنهن في إطار القيم، ويؤدين واجباتهن تجاه أسرهن ومجتمعهن، هن نماذج نسائية واعية، عرفن ما لهن وما عليهن، فلهن التقدير والدعم. أما حين يتحول الخطاب النسوي إلى دعوة للتمرد على الدين والقيم، أو إلى تحقير لدور الأم وربة المنزل، أو إلى تخبيب الزوجات على أزواجهن، فإن هذا الخطاب يصبح ذا أثر سلبي على المرأة والمجتمع معًا.
وختامًا، فالحمد لله، أن المرأة السعودية لا تزال– في مجملها– أمًا وبنتًا وأختًا وزوجة واعية، ناضجة، عصرية، تجمع بين الأصالة والتطور. كما أن المملكة دولة تقدر المرأة، وتساندها، وتمنحها مكانة اجتماعية مرموقة. وستظل الأسرة مركز الحياة، وتماسكها منبع قيمتها، وستبقى المرأة عظيمة بقدر احترامها لنفسها، وعائلتها، ووطنها. فالأصوات النسوية حين تقول حقًا نقول: نعم، وحين تقول باطلًا يجب أن نقول– وبكل وضوح: لا.
من هن النسويات؟
