مقالات الكتاب

الكلام

تذكرون عبارة “ما لك إلا ولدن يقرأ وبكتب”؟ كانت هذه العبارة هي عربون الحصول على وظيفة حكومية. وقد حكي لي قبل خمسين سنة رجل أبيض اللحية أنه حصل على وظيفة قهوجي في شركة بترومين، وأنه حين سألوه هل عندك شهادة، قال: شهادة لا إله إلا الله. واستحيا منه رئيس شؤون الموظفين فقبله. لكن بعد ذلك تطورت الطلبات من محو الأمية إلى الابتدائية ثم الكفاءة. نعم المتوسطة كان اسمها الكفاءة. وبعد ذلك الثانوية أو التوجيهية. وقد صدر في الهند قانون يحظر إصدار رخصة قيادة السيارات إلا لمن يحمل الشهادة الثانوية.
الشاهد أني استأجرت العامل المصري ط. ط. لتأبير النخل حين وصل شرط الحصول على الوظيفة أن تكون جامعيًا. وإذا بي اكتشف أن ط. ط. لا يقرأ ولا يكتب. ولما سألته عن السبب قال: إنه كان يهرب من المدرسة وكان والده يحبه، ولا يريد أن يشق عليه، فتركه حتى فاته قطار التعليم. فقلت له: لم يفت. وزدت له في الأجرة؛ شريطة أن يتعلم ويحفظ الحروف العربية الثمانية والعشرين. وأن ينجز ذلك خلال أسبوع كل يوم أربعة حروف. فذلك أسهل بكثير من التأبير وصعود النخل والتعلق بالعراجين من فوق بضعة أمتار.
لقد كان للعرب، كما قال الأديب مصطفى صادق الرافعي دولة من الكلام، لكنها كانت بلا ملك حتى جاء القرآن. فالقرآن هو ملك اللغة العربية. ولسنا نصدق من قال: إن وصف القرآن بالعربي ليس اللغة وإنما هو القوة والاستواء؛ فالله سبحانه قال:” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه”. ولحاتم الأصم جدال قرأته في كتاب “يا رب” للشيخ عبد الحليم محمود. قال رجل لحاتم: من أين تأكل؟ فقال: من خزائنه. فقال: أيلقي عليك الخبز من السماء؟ قال: لو لم تكن الأرض له، لكان يلقيه من السماء. فقال الرجل: أنتم تؤلون الكلام. فقال: لأنه لم ينزل من السماء إلا الكلام. فقال: أنا لا أقوى على مجادلتك. فقال: لأن الباطل لا يقوم مع الحق.
كان الاتفاق مع مؤبر النخل ط. ط. في عام 2011م ولا أعلم إن كان قد التزم به أم لا. لكني رميت حصاة عليه أو إليه فقد تصل الرسالة إلى صدره بعد شهر أو حتى سنة. وإذا لم يفعل فإنه قد خسر أعظم الخسران بالإصرار على أميته، وعجزه عن قراءة كتاب الله، والاطلاع على الحكمة في السنة الصحيحة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم. فالقرآن أعظم ما ورثته البشرية من خاتم النبيين، بل ومن جميع الأنبياء والمرسلين. وكما قال النبي:” إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *