مقالات الكتاب

سباق محموم.. لا هدنة ولا حياة شخصية

إن عصر السرعة الراهن؛ قد ألقى بتداعياته على الحياة العملية للكثيرين، حيث أضحى العمل جزءاً رئيسياً في حياتهم اليومية؛ إذ هم في ركض وراء النجاحات العملية وتحقيق طموحاتهم. وفي ظل هذا الركض المحموم يبرز شبح ضغط العمل، أو ضغط الإنجاز الدائم ويحيل عملهم إلى مسيرة ملأى بمنغصات تنال من سعادتهم وصحتهم.
ضغوط العمل يمكن تعريفها بالإجهاد الوظيفي، الذي يفضي إلى ردود جسدية وعاطفية مضرة؛ نظراً لعدم التوفيق بين متطلبات العمل وقدرات الموظف، حيث ظهرت مؤخراً ثقافة الإنجاز المفرط؛ إذ يناط بالفرد أكثر مما تتحمله قدرته. وقد فاقمت وسائل التواصل الاجتماعي هذا الضغط؛ فقد أضحت منصات العرض تعج بنجاحات الآخرين، كمقاييس يجب الوصول إليها وإن اختلفت الظروف والأحوال، وذلك في مقارنات اجتماعية زائفة يشاهد فيها الفرد الآخرين يحققون النجاحات المتتالية، التي تخيل للبعض بأن الجميع يكدح ويتقدم وهو ثابت في وظيفته؛ ما يجر على نفسه القلق والخوف من الفشل.
وقد وسعت التقنية الحديثة مكان وزمان العمل، ولم يعد مقيداً بمكان أو زمان محددين، فقد يتم عبر الأجهزة الذكية في المنازل والعطلات، وتلاشت الفواصل بين الحياة المهنية والحياة الشخصية، وأفضى ذلك إلى وجود إحساس لدى الكثيرين بأن الراحة ترف، والتوقف عن العمل إخفاق وضياع .
ضغوط العمل أو الإنجاز الدائم تشكل مصاعب نفسية وجسدية تجابه العاملين، وهي حالة من الاختلال النفسي أو الجسدي الناتج عن البيئة العملية، وتتبدى في عدة أشكال؛ على رأسها الإحساس بالقلق الشديد والتوتر المتواصل والشد العضلي، والمشاكل التي تعتري الجهاز الهضمي، وكلها ضغوط سلبية يمكن أن تؤثر سلباً على أداء الموظفين وصحتهم النفسية والجسدية؛ ومن نتائجها، الفشل في اتخاذ قرارات صائبة ومتوازنة وانخفاض دافعية الموظف للعمل، وضعف الأداء وقلة الإنتاجية، وإصابة الموظف بالتوتر والقلق، وما يجره ذلك من مشكلات صحية؛ كالصداع وارتفاع ضغط الدم ومشاكل الجهاز الهضمي. كما يؤدي الإنهاك والإغراق الزائد في العمل إلى احتمال إصابة الموظف بالاحتراق النفسي، بجانب عدم التركيز ونسيان الموعيد المضروبة لتسليم العمل المنوط به وغيره. وينعكس كل ذلك على أداء المنشآت وخفض إنتاجيتها بشكل كبير،وغياب العاملين وزيادة معدل دوران الموظفين واستقالاتهم تحت ضغط العمل وانحطاط معنوياتهم؛ ما يؤثر على تعاونهم كفريق واحد لإنجاز المهام.
وأخلص إلى أن ضغط العمل والإنجاز المفرط هو مرآة لزمن متسارع، لا يعرف هدنة للتوقف والتقاط الأنفاس، بيد أن الفرد ليس آلة بقدر ما هو بشر له عواطف وأحاسيس وحياة شخصية. فالحياة الراهنة؛ قد يعتبرها البعض سباقاً للإنجاز والعمل ليس إلا، بيد أن قيمة الحياة تتمحور حول فهمها ومعايشتها بوعي، وإنجاز الأعمال بدافعية واستمتاع والراحة للنفس متى ما احتاجت إلى ذلك.

باحثة وكاتبة سعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *